وكان القدامى يرون الحركات الأرضية البانية للجبال صدى لتلاؤم قشرة الأرض مع انكماشها ككل ؛ ويرى المحدثون فيها صورة من صور الاتزان الأرضى ؛ لتساوى الضغوط على مركزها من كافة النقاط على سطحها ، مهما تباينت منا سيب تلك النقاط على سطح الأرض ، ويتم ذلك مع انجراف ألواح الغلاف الصخرى للأرض مصطدمة مع بعضها البعض ، فيؤدى تصادمها إلى تجعد حوافها نتيجة للاحتكاكات والمقاومة الشديدتين ، كما هو الحال فى سلاسل جبال غربى الأمريكتين (سلاسل جبال روكى والإنديز) ، والحزام الأوروبى الأسيوي الذى يضم جبال البرانس ، الألب ، جبال البلقان ، طوروس ، زاجروس ، القوقاز ، هندكوش ، والهيمالايا.
يتضح مما تقدم أن كلا من التعريف اللغوى والعلمى الشائع للجبال يقتصر على النتوءات البارزة من هذه التضاريس بالنسبة للمنطقة المحيطة بها ، وعلى قممها ومنحدراتها ، وكذلك على وجودها إما فى مجموعات معقدة من الأطواف والمنظومات ، والسلاسل الجبلية المتوازية أو شبه المتوازية ، والأحزمة الجبلية ، أو فى مرتفعات فردية ، وبتعبير آخر فإن التعريفات الشائعة كلها تقتصر على الأشكال الخارجية لتلك التضاريس دون أدنى فكرة عن امتداداتها ـ تحت السطح ـ التى ثبت مؤخرا أنها تبلغ أضعاف ارتفاعها الخارجي لمرات عديدة.
وعلى النقيض من ذلك ، فإن القرآن الكريم الذى أنزل قبل ١٤ قرنا يصف الجبال بأنها أوتاد ، وكما أن الوتد أغلبه مدفون فى الأرض ، وأقله ظاهر فوق السطح ووظيفته التثبيت ، فقد أوضحت الدراسات الحديثة أن هكذا الجبال ، بمعنى أن كل ارتفاع على سطح الأرض له امتداد فى داخل غلافها الصخرى يتراوح بين ١٠ ، ١٥ ضعف ذلك الارتفاع ، وأن هذا الانغراس فى داخل الأرض هو الذى يثبت ألواح الغلاف الصخرى للأرض ويجعلها صالحة للإعمار ؛ لأن تلك الألواح الصخرية تطفو فوق نطاق الضعف الأرضى ، وهو نطاق لدن شبه منصهر عالى الكثافة ، عالى اللزوجة ، وبدوران الأرض حول محورها تنزلق تلك الألواح عليه بسرعة فائقة ،