اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يرى الله عزوجل بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان ، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في الدنيا أحد مؤمنا لأنهم لم يروا الله عز ذكره ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أن الله عز ذكره لا يرى بالعين ، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا (١).
٩ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهالله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن
__________________
١ ـ إن كلامه عليهالسلام رد على الذين يدعون جواز رؤيته تعالى في الآخرة فقط لا مطلقا ، فإن القائلين على فرقتين فيرد قول المجوزين مطلقا بطريق أولى ، وتوضيحه أن الرؤية تستلزم المعرفة ضرورة وقطعا ، والمعرفة التي حصلت من جهة الرؤية هي العلم بكونه تعالى في جهة وحيز ، متكمما بكميات ، متكيفا بكيفيات ، حاضرا في مكان ، غائبا عن آخر ، واقعا في شيء ، محمولا على شيء ، مركبا ، مبعضا ، محدودا ، فلو جاز أن يرى الله تعالى بالعين لكانت معرفتنا به هكذا ، ولكن التالي باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة ، وأما بيان بطلان التالي فإن المعرفة هكذا إما إيمان أو ليست بإيمان ، فإن كانت إيمانا فالمعرفة التي حصلت من جهة الاكتساب بالبرهان في الدنيا ليست بإيمان لأنها العلم بكونه تعالى على نقائض هذه الأوصاف فلزم أن يكون أحد في الدنيا ممن قبل الأنبياء عليهمالسلام إيمانهم مؤمنا ، لأن معرفة الناس إنما هي بالاكتساب لا بالرؤية ، وهذا لا ينكره عاقل ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية في الآخرة إيمانا فأما أن تزول في الآخرة المعرفة الاكتسابية بالبرهان التي هي نقيضها فلزم عدم الإيمان بالله تعالى في الآخرة أصلا ، وهذا أمر باطل منكر بالعقل والنقل ، وأما أن لا تزول فلزم اجتماع النقيضين أي الإيمان واللا إيمان لأن المفروض أن المعرفة من جهة الرؤية لا إيمان والمعرفة الاكتسابية إيمان.