غاياه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغير الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مبائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحول فكرة (١) مدبر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بمجسة (٢) سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة.
لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمنه الأماكن ، ولا تأخذه السنات (٣) ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات (٤) سبق الأوقات كونه. والعدم وجوده ، والابتداء أزاله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (٥) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم ، والجسو بالبلل (٦) ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، ذلك قوله عزوجل : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين
__________________
ينتهي إليها ، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك بينهما ، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا أجزاء ، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق ومن وصفه بها فقد ألحد فيه ، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر.
١ ـ أي بقوة الفكرة ، وفي نسخة ( د ) و ( ن ) بالجيم.
٢ ـ المجسة : آلة الجس.
٣ ـ جمع السنة وهي النعاس ، وفي حاشية نسخة ( ب ) و ( د ) ( السبات ) بالباء الموحدة :
على وزان الغراب وهو النوم ، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.
٤ ـ في نسخة ( ط ) ( ولا تفيده الأدوات ) من الإفادة.
٥ ـ لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الآتية.
٦ ـ جسا يجسو جسوا : يبس وصلب.