والإيمان باليوم الآخر ، هو الإيمان بالعدالة الإلهية المطلقة في الجزاء وبأنّ الحياة على هذه الأرض ليست سدى ولا فوضى بغير ميزان ، وبأنّ الخير لا يعدم جزاؤه ولو بدا أنّه في هذه الأرض لا يلقى الجزاء. كما أنّها ليست محدودة بأمد قصير ، وإنّما هي حركة دائبة في طول مسير.
والإيمان بالملائكة طرف من الإيمان بالغيب ، الّذي هو مفرق الطريق بين إدراك الإنسان وإدراك الحيوان. كما أنّه إيمان بأنّ هناك وراء الحسّ المشهود ، عالما ملؤه الحيويّة الفعّالة ، وربما كانت هي الّتي تمدّ الحياة هذه على وجه الأرض! فلا غنا للحياة هذه إذا لم تستمدّ من تلك الحياة العليا ، وملؤها القوى العاملة تحت رعاية الله ربّ العالمين.
والإيمان بالكتاب والنبيّين هو الإيمان بالرسالات جميعا وبالرسل جميعا. وإذعان بتحقّق الوعد الّذي وعد الله هذا الإنسان منذ هبط إلى الأرض أن لا يتركه هملا بلا رعاية ولا عناية ليئنّ تحت هواجسه خائفا وجلا ؛ بل عطف عليه بفضله وإحسانه ، وأرسل إليه رسله تترى بالآيات والبيّنات ، وأوضح له الطريق والهدى إلى السعادة والسّلام.
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١).
* * *
تلك ناحية الإيمان وموضعها الخطير في حياة الإنسان.
وهناك ناحية أخرى تلازم الإيمان الخالص لله تعالى شأنه وهو الإيثار في سبيله تعالى بالمال والإسعاف بحاجة الآخرين ، وفي ذلك إشعار بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة.
وفي قوله تعالى : (عَلى حُبِّهِ) دلالة على مبلغ أهميّة هذا الإيثار ، حيث مع تمكّن حبّ المال في النفوس والاعتزاز به ، مع ذلك يبسط المؤمن يده في البذل في سبيل حبّ الإنسانيّة العليا ، والّتي هي أرقى من حبّ الذات شخصيّا.
نعم قيمة إيتاء المال والإيثار به هي الانعتاق من ربقة الحرص والشحّ والضعف والأثرة. انعتاق الروح من حبّ المال الّذي يكاد يقبض الأيدي عن الإنفاق ، ويقبض النفوس عن الأريحيّة ، ويقبض الأرواح عن الانطلاق ، فهي قيمة روحيّة يشير إليها ذلك النصّ على حبّ المال!!
ثمّ هي قيمة إنسانيّة عليا في محيط الجماعة.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٣٨.