هذه الصلة لذوي القربى فيها تحقيق لمروءة النفس وكرامة الأسرة ، ووشائج القربى. والأسرة هي النواة الأولى للجماعة ، ومن ثمّ هذه العناية وهذا التقديم.
وهي لليتامي ، وهو تكافل بين الأقوياء والضعفاء ، وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويّتين ، وحماية للأمّة من تشرّد صغارها وتعرّضهم للفساد.
وهي للمساكين الّذين سكن بهم الفقر ، ومع ذلك فهم ساكنون لا يقدمون للسؤال ، ضنّا بماء وجوههم ، فليحتفظ لهم بكرامة نفوسهم والصون بهم عن البوار والانهيار ، وفي ذلك إشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة ، الّتي لا يهمل فيها فرد ولا يضيع فيها عضو.
وهي لابن السبيل ـ المنقطع عن المال والأهل ـ فريضة واجبة للنجدة في ساعة العسرة وإشعار له بأنّ الإنسانيّة كلّها أهل.
وهي للسائلين إسعاف لعوزهم وكفّ لهم عن المسألة الّتي يكرهها الإسلام. وفي الإسلام ، لا يسأل من يجد الكفاية أو من يجد عملا ، فهو مأمور من دينه أن يعمل ولا يسأل ، وأن يقنع ولا يتذلّل ، فلا سائل إلّا حيث يعييه العمل والكفاية.
وهي في الرقاب : إعتاق وتحرير لمن أوقعه سوء تصرّفه في الرقّ ، بحمل السيف في وجه الإسلام. ويتحقّق هذا النصّ إمّا بشراء الرقيق وعتقه ، وإمّا بإعطائه ما يؤدّي به ما كاتب عليه سيّده في نظير عتقه ، وذلك ليسارع في فكّ رقبته واسترداد حرّيته وإنسانيّته الكريمة ، والإسلام يعلن حرّيّة الرقيق في اللحظة الّتي يطلب فيها الحرّيّة ، إذا توفّرت فيه الشرائط.
* * *
وناحية ثالثة أهمّ وهي ناحية العبادة في الإسلام ، وشاخصها الصلاة الّتي هي عمود الدين ، والمحور الّذي يدور عليه رحى الإسلام ، من جانبيه الروحي ـ اتّصالا بالملكوت الأعلى (١) ـ والظاهري ـ اتّزانا في السلوك والمعاشرة العامّة : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)(٢). ولعلّ ذيل الآية إشارة إلى الجهة الأولى : الاتّصال الروحي.
ورابعة : إيتاء الزكاة ، هي فريضة ماليّة متعيّنة في جانب مصرفها ، وهي تؤمّن جانبا من مؤونة واجب النظام المالي في الحكم الإسلامي. ووفاء بطرف من ضريبة الإسلام الاجتماعية ، الّتي
__________________
(١) الصلاة معراج المؤمن.
(٢) العنكبوت ٢٩ : ٤٥.