جعلها الله حقّا في أموال الأغنياء للفقراء والمعوزين. ومن ثمّ فهو يقابل إيتاء المال المذكور أوّلا ، حيث إنّه على الندب وهذا على الفرض ، فليست الزكاة بديلة منه ، وإنّما الزكاة ضريبة مفروضة ، والإنفاق تطوّع طليق. والبرّ لا يتمّ إلّا بهذه وتلك ، وكلتاهما من مقوّمات الإسلام.
وخامسة : الوفاء بالعهد ، إنّه سمة الإسلام الّتي يحرص عليها ويؤكّد عليها القرآن في مواضع ، ويعدّها آية الإيمان وآية الآدميّة وآية الإحسان. وهي ضروريّة لإيجاد جوّ من الثقة المتبادلة في العلاقات : علاقات الأفراد وعلاقات الجماعات وعلاقات الأمم والدول. تقوم أوّلا على الوفاء بالعهد مع الله. وبغير هذه السمة يعيش كلّ فرد منعزلا عن غيره ، فزعا قلقا لا يركن إلى وعد ولا يطمئنّ إلى عهد ولا يثق بإنسان ، الأمر الّذي يوجب تفكّكا في هيكل الجماعة الفاقدة للإيمان.
وسادسة : الصبر في البأساء والضرّاء وحين البأس. إنّها تربية للنفوس وإعداد ، كي لا تطير شعاعا مع كلّ نازلة ، ولا تذهب حسرة مع كلّ فاجعة ، ولا تنهار جزعا أمام كلّ شدّة. إنّه التجمّل والتماسك والثبات حتّى تنقشع الغاشية وترحل النازلة ، ويجعل الله بعد عسر يسرا. إنّه الرجاء في الله والثقة بالله والاعتماد على الله. ولا بدّ لأمّة تناط بها القوامة على البشريّة ، والعدل في الأرض وبسط الصلاح ، أن تهيّأ لمشاقّ الطريق ووعثائه بالصبر في البأساء والضرّاء وحين الشدّة. الصبر في البؤس والفقر ، الصبر في القلّة والنقص ، الصبر في الجهاد والحصار ، والصبر على كلّ حال كي تتمكّن من النهوض بواجبها الضخم ، وتؤدّي دورها الفخم ، في ثبات وفي ثقة وفي طمأنينة وفي اعتدال واتّزان.
والملحوظ : أنّ السياق هنا وفي هذه الصفة ـ صفة الصبر في البأساء والضرّاء وحين البأس ـ يبرزها بإعطاء كلمة (الصَّابِرِينَ) ـ بنصب ـ وصفا في العبارة يدلّ على الاختصاص. فما قبلها من الصفات مرفوع ، أمّا هي فمنصوبة على الاختصاص بتقدير «وأخصّ الصابرين» وهي لفتة خاصّة لها وزنها في معرض صفات البرّ ، لفتة خاصّة تبرز الصابرين وتميّزهم بالذات من بين سائر السمات.
وهو مقام للصابرين عظيم ، وتقدير لصفة الصبر في ميزان الله يلفت الأنظار ، وقد سبق (١) بعض الكلام عن الصبر وأهمّيته في بناء بنية الفرد والجماعة ، والّتي هي آخذة في درجات الكمال.
__________________
(١) عند تفسير الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).