وهكذا جمعت آية واحدة بين أصول الاعتقاد ، وتكاليف النفس والمال ، وجعلتها كلّا لا يتجزّأ ، ووحدة لا تنفصم. ووضعت على هذا كلّه عنوانا واحدا هو : «البرّ» أو هو «جماع الخير» أو هو «الإيمان كلّه» كما ورد في الأثر. والحقّ أنّها خلاصة كاملة للتصوّر الإسلامي ، ولمبادىء المنهج الإسلامي المتكامل ، لا يستقيم بدونها إسلام.
ومن ثمّ تعقّب الآية على من هذه صفاتهم بأنّهم : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
أولئك الّذين صدقوا ربّهم في إسلامهم. صدقوا في إيمانهم واعتقادهم ، صدقوا في ترجمة هذا الإيمان والاعتقاد في مدلولاته الواقعة في الحياة. وأولئك هم المتّقون الّذين يخشون ربّهم ويتّصلون به ، ويؤدّون واجبهم له في حسّاسيّة وفي إشفاق. ومن ثمّ فإنّهم ـ وفي ظلّ عناية الله ـ يحبرون (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(١).
* * *
والآن فلنعرض الروايات عن السلف بشأن الآية :
[٢ / ٤٣٩٥] أخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن قتادة قال : كانت اليهود تصلّي قبل المغرب والنصارى تصلّي قبل المشرق (٢).
وهكذا رواها عن أبي العالية وعن الربيع (٣).
[٢ / ٤٣٩٦] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : (لَيْسَ الْبِرَّ ...)
الآية. قال : ذكر لنا أنّ رجلا سأل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن البرّ ، فأنزل الله هذه الآية ، فدعا الرجل فتلاها عليه ، وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، ثمّ مات على ذلك يرجى له في خير ، فأنزل الله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وكانت
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ٣٠.
(٢) عبد الرزّاق ١ : ٣٠٢ / ١٦٠ ؛ الطبري ٢ : ١٢٨ / ٢٠٨١ ؛ الثعلبي ٢ : ٤٩ ، نقلا عن الربيع ومقاتل بن حيّان أيضا.
(٣) الطبري ٢ : ١٢٨ / ٢٠٨٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٨٧ / ١٥٤١.