وحين قال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(١).
وحين قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٢).
وحين قال : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣).
وما كان نحو هذا في القرآن ، وما سأل إبراهيم فاستجاب له. (فَأَتَمَّهُنَ) ثمّ زاده الله ممّا لم يكن في مسألته : (قالَ : إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) في الدين يقتدى بسنّتك (قالَ) إبراهيم : يا ربّ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فاجعلهم أئمة (قالَ) الله : إنّ في ذرّيتك الظلمة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يعني المشركين من ذرّيّتك. قال : لا ينال طاعتي الظلمة من ذرّيّتك ولا أجعلهم أئمة : أنحلها أوليائي وأجنّبها أعدائي (٤).
* * *
قد يحسب البعض أنّ ما ذهب إليه مقاتل ، مسايرة مع قراءة أبي الشعثاء (جابر بن زيد) : إبراهيم ـ رفعا ـ وربّه ـ نصبا. ليكون المعنى : سأل ودعا إبراهيم ربّه. (٥)
قال الدكتور شحاتة : جرى مقاتل في تفسيره على أنّ الابتلاء كان من إبراهيم لربّه ، وهي قراءة في الآية. على أنّه دعا ربّه بكلمات ، مثل (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) ، ليرى هل يجيبه على ما سأل؟ وعلى هذه القراءة فمعنى (فَأَتَمَّهُنَ) أي أعطاه الله جميع ما سأل. (٦)
لكنّها قراءة شاذّة منبوذة أنكرتها الأئمّة منذ أوّل يومها .. إذ لا موضع لعبد مثل إبراهيم الخليل عليهالسلام أن يقوم باختبار مولاه الجليل. وهل لا يكون قاطعا باستجابة ربّه الكريم لمثل عبده الصالح المستكين؟! وهو القائل ـ وقوله الحقّ ووعده الصدق ـ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٧). وهل هناك داع أعزّ على الله من مثل إبراهيم ، ذلك العبد الأوّاه المنيب؟! أو ليس إبراهيم هو القائل : (إِنَّهُ
__________________
(١) إبراهيم ١٤ : ٣٥.
(٢) إبراهيم ١٤ : ٣٧.
(٣) البقرة ٢ : ١٢٧.
(٤) تفسير مقاتل ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧.
(٥) الثعلبي ١ : ٢٦٧. قال الثعلبي : قيل له : ومن أين لك هذا؟ فقال : أقرأنيه ابن عبّاس! قال الثعلبي : وهذا غير قويّ لأجل الباء في قوله : بِكَلِماتٍ وقرأ الباقون بالنصب وجعلوا معنى الابتلاء الاختبار والامتحان في الأمر ، وهو الصحيح.
(٦) هامش تفسير مقاتل ١ : ١٣٧.
(٧) غافر ٤٠ : ٦٠.