ربّي (كانَ بِي حَفِيًّا)(١)؟!
إذن فكيف يا ترى يحاول اختبار ربّه ، وهو يصفه بتلك السمات الكريمة ، والتي تنبؤك عن كمال انقطاعه إليه وحسن يقينه بعناية ربّه ، وكانت مشهودة له طول حياته التي قضاها مستسلما لله ربّ العالمين.
ثمّ ، إنّ ممّا استشهد به مقاتل من أسئلة إبراهيم قوله في المحاججة مع قومه : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(٢). وقوله : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٣). وغير ذلك ممّا هو إبداء لموضع عبوديّته محضا ولا مجال فيه لاختبار مولاه وإنّما هو اختبار مولاه إيّاه صرفا.
فالصحيح أنّ مقاتل لم يستند قراءة منبوذة .. وإنّما هي قراءة حفص المعروفة لتكون الكلمات هي التي تلقّاها من ربّه ، وصاغها في صيغ الدعاء والمسألة ، كما صنع آدم عليهالسلام من قبل ومن ثمّ أضفنا بين معقوفتين [ومتلقّيا لها منه] إيضاحا لموضع مقاتل من التفسير على القراءة المشهورة.
وإليك بعض ما جاء بشأن إبراهيم ، ذلك الرجل العظيم :
[٢ / ٣١٩١] أخرج ابن أبي شيبة وأبو داوود والترمذي والنسائي عن أنس قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا خير البريّة! قال : ذاك إبراهيم». (٤)
[٢ / ٣١٩٢] وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال : أوّل من راغم ، إبراهيم عليهالسلام حين راغم قومه إلى الله بالدعاء. (٥)
[٢ / ٣١٩٣] وأخرج أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال : قال إبراهيم عليهالسلام : يا ربّ إنّه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري! فأنزل الله ـ عزوجل ـ ثلاثة آلاف ملك فأمّهم ثلاثة أيّام. (٦)
__________________
(١) مريم ١٩ : ٤٨.
(٢) الأنعام ٦ : ٧٨.
(٣) الأنعام ٦ : ٧٩.
(٤) الدرّ ١ : ٢٨٥ ؛ المصنّف ٧ : ٤٤٧ / ٤ ، باب ٢ ؛ أبو داوود ٢ : ٤٠٧ / ٤٦٧٢ ، باب ١٤ ؛ الترمذي ٥ : ١١٦ / ٣٤٠١ ؛ النسائي ٦ : ٥٢٠ / ١١٦٩٢ ، كتاب التفسير ، سورة البيّنة ؛ أبو يعلى ٧ : ٣٩ / ٣٩٤٩.
(٥) الدرّ ١ : ٢٨٥.
(٦) الدرّ ١ : ٢٨٤ ؛ الزهد لأحمد : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٤١٥ ؛ الحلية ٦ : ٥٠ ، برقم ٣٢٦ ، نوف البكالي.