لا تزال خطبة السيّدة فاطمة عليهاالسلام ترنّ في أسماع الدهر وتتجدّد على مرّ العصور، مؤكِّدة في الوقت نفسه جوانبَ شخصيتها الإلهيّة ومقاماتِ معرفتها الربوبية، مشيرة إلى عظيم ما اطّلعت عليه من مكنون علم الله عزّوجلّ ومخزون معارفه، والتي لا يُظهرها الله إلّا على خاصّة أوليائه وأهل صفوته وسدَنَةِ أسراره، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. ولما كانت فاطمة عليهاالسلام أحد مصاديق أهل التطهير وأولي الذكر، فلا غرابة أن تفتق في خطبتها من بعض خزائن معارفه تعالى.
فهي مع ذكرها البالغ لتمام الحمد على نعمائه، وسوابغ الشكر على آلائه، والثناء لربوبيته، والتوحيد لصفاته، تَسُوقُ البيانَ للتوحيد بما ليس معهوداً في الفلسفات البشرية أنذاك من اليونانية أو الفارسية أو الهندية، وتكشفُ الغطاءَ عن ظرائف التوحيد مالم يُعهَد في العرفان المتداول آنذاك.
فإنّ بيان معرفة التوحيد بنفي الصفات عنه ـ المشير إلى الغيب المطلق ـ وأنّ الصفات الإلهيّة تجلّيات أسمائية دون مقام غيب الغيوب، لم يُعهد قبل