والنصارى في جعلهم مريم وعيسى كليهما من أصول الإعتقاد والديانة بل يدحض تأليههم لهما، فلا يخطّئهم في كونهما من أصول الدين بل غاية الأمر أنه يحدّد غلوهم الذي هو في تأليههم في مريم وعيسى، فيؤكّد القرآن على بشريتهما مع تصريحه بكونهما معاً آية وحجّة.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ)(١) وقوله تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ)(٢).
مراحل الإعداد والإصطفاء
ولم تزل مريم ابنة عمران تحضى برعاية الربّ ورضوانه طالما نذرتْ نفسها لطاعته وعبادته وانقطاعها إليه، فيغدقها بالرحمة ويحبوها بالكرامة ومن ثم يصطفيها لحجّيته ويطهّرها ويفضّلها على نساء العالمين.
ولم يكن الإصطفاء إلّا بعد مراحل تتدرج فيها مريم بنت عمران ثمّ الله يتقبّلها قبولاً حسناً ويُنْبِها إنباتاً حسناً. فهي تحت قيمومة النبوّة ورعاية الرسالة، أمر موجب لخصائص الإصطفاء والتطهير لتلك المرأة التي سلّمت إرادتها للمرأة الصالحة ـ امرأة عمران أمّها التقيّة ـ حين نَذَرتْ ما
__________________
(١) المائدة /١١٦.
(٢) المائدة /٧٥.