في بطنها محرراً لله تعالى، وبالفعل تستجيب تلك الطاهرة لإرادة الله فتنقاد مسلّمة لطاعته وعبادته، وهي أول مرحلة تظهر فيها مريم قابليتها الإصطفاء وقدرتها على تلقّي إرادات الله تعالى، وإلّا فمن غير اليسير أن تستجيب فتاة في الإنقطاع عن الدنيا وملذّاتها لتبتّلها للوفاء بنذر أمّها حتّى كانت تحت إرادتها طيّعة بارّة مطمئنة بقضاء الله تعالى عابدة متبتّلة بكلّ ايمان وشوق وانقياد مما يكشف عن مكنون الايمان الذي أودع في مطاوي تلك النفس الكريمة واستحقاقها بكلّ جدارة تحمّل المسؤولية الإلهية في الحجّية والإصطفاء.
قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(١).
فالإعداد لتكون مريم صالحةً للحجّية يجري تحت رعاية الله تعالى وبقيمومة زكريا نبيّ الله الذي أوكل بتلك المهمّة.
__________________
(١) آل عمران/ ٣٥ ـ ٣٧.