(وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩))
(وَأَنَّكَ) بكسر «إن» على الابتداء وبفتحها (١) على العطف على «أن لا تجوع» ، وجاز للفصل وهو لك ، إذ لا تدخل «أن» على «أن» والواو نائبة عن أن لك أنك (لا تَظْمَؤُا) أي لا تعطش (فِيها وَلا تَضْحى) [١١٩] أي لا يصيبك حر الشمس في الجنة إذ لا شمس فيها وأهلها في ظل ممدود ، والمراد ذكر الأقطاب من الأفعال التي يدور عليها كفاف الإنسان وعيشه من غير احتياج إلى الكسب مستجمعة في الجنة لآدم كي لا يتعدى عنها إلى غير ما أمر به ، وإنما ذكرها (٢) بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والظمأ والعرى والضحو لتعليم سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها حتى يتجنب (٣) الموقع فيها كراهة لها.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠))
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) أي أنهى إليه الوسوسة ، وإذا قيل وسوس له فمعناه لأجله ، قوله (قالَ) بيان ل «وسوس» ، أي قال (٤) الشيطان (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أي الخلود ، لأن من أكل منها خلد بزعمه (٥)(وَ) على (مُلْكٍ لا يَبْلى) [١٢٠] أي لا يفني وهو أكل الشجرة.
(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١))
(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما) أي ظهرت (سَوْآتُهُما) أي عوراتهما (وَطَفِقا) أي عمدا (يَخْصِفانِ) أي يلزقان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي على سوآتهما بورق التين للستر (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) بمخالفة أمره (٦) بأكله من الشجرة (فَغَوى) [١٢١] أي فخرج بالعصيان من أن يكون راشدا في فعله ، لأن الغي خلاف الرشد ، قيل : «لا يجوز أن يقال آدم عاص بل عصى آدم ، إذ المعصية لم يكن عادة له» (٧) ، والمعنى : أنه جهل لطلبه الخلد بأكل المنهي عنه ، لأنه خلاف طريق العقل.
(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢))
(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي اصطفاه النبوة بعد التوبة (٨)(فَتابَ عَلَيْهِ) أي قبل توبته وقربه إليه بقوله (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٩)(وَهَدى) [١٢٢] أي وفقه لحفظ التورية وعمل التقوى.
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣))
(قالَ) الله لآدم وحواء (اهْبِطا) أي أنزلا (مِنْها) أي من الجنة (جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) وجمعا هنا نظرا إليهما وإلى ذريتهما ، والمراد بالعداوة هي التي بين بني آدم من ظلم بعضهم بعضا وتضليل بعض بعضا أو عداوة ذرية آدم وإبليس ، وكذا جمعا في قوله (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) على لفظ الجماعة لكونهما أصلي البشر وسببي نشأتهم فكأنهما البشر فخوطبا مخاطبتهم وقال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) يا بشر أو ذرية آدم وحواء إن يأتكم (مِنِّي هُدىً) أي كتاب ورسول شريعة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) أي كتابي ورسولي (فَلا يَضِلُّ) باتباعه إياهما في الدنيا (وَلا يَشْقى) [١٢٣] في الآخرة ، قيل : «أجار الله تابع القرآن أن يضل في الدنيا ويشقى في الآخرة» (١٠).
__________________
(١) «وأنك» : قرأ نافع وشعبة بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٠٨.
(٢) ذكرها ، ح و : ذكر ، ي.
(٣) يتجنب ، ح ي : تجنب ، و.
(٤) قال ، ح و : ـ ي.
(٥) بزعمه ، ح و : لزعمه ، ي.
(٦) أمره ، ح و : أمر ربه ، ي.
(٧) ذكر ابن قتيبة نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٥.
(٨) التوبة ، ح ي : توبته ، و.
(٩) الأعراف (٧) ، ٢٣.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦.