(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤))
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي عن كتابي ورسولي ولم يؤمن (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي ضيقا وهو عذاب القبر أو النار أو كسب الحرام أو سلب القناعة عنه حتى لا يشبع أو عدم الاهتداء لوجوه الخير ، وقال الحسن : «هو الزقوم الضريع والغسلين في النار» (١)(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) [١٢٤] عن الهداية أو أعمى البصر.
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥))
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) [١٢٥] أي بحجتي أو بالعين ، قيل : «إنه يحشر بصيرا من قبره فاذا سيق إلى المحشر عمي» (٢).
(قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧))
(قالَ) الله تعالى (كَذلِكَ) أي كما فعلت أنت بنفسك فعلنا بك (أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) أي تركت العمل بها أو تعلمتها فنسيتها (وَكَذلِكَ) أي مثل تركك آياتنا (الْيَوْمَ تُنْسى) [١٢٦] أي تترك على عماك أو في النار (وَكَذلِكَ) أي مثل ما جزينا المعرض عن آياتنا (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) أي أشرك (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) أي بمحمد والقرآن (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) أي (٣) تركنا إياه في العمى أو في النار (أَشَدُّ) من تركه بآياتنا وأشد ضررا (وَأَبْقى) [١٢٧] أي أدوم من ضرر ضيق المعيشة في الدنيا.
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨))
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي أيعرضون عن كتابي ورسولي ولم يبين الله لقريش الذين كانوا يتجرون إلى الشام ويبصرون في طريقهم الهالكين بالعذاب أو فاعل (يَهْدِ) ، قوله (كَمْ أَهْلَكْنا) الآية ، يعني ألم يرشد لهم هذا الكلام بمعناه وهو (كَمْ أَهْلَكْنا (قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أي يمرون على منازلهم (إِنَّ) أي لأن (فِي ذلِكَ) أي في هلاكهم بالعذاب (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِأُولِي النُّهى) [١٢٨] أي لذوي العقول من الناس.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩))
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى يوم القيامة (لَكانَ) العذاب (لِزاماً) أي لازما بهم كما لزم بمن كان قبلهم من الأمم عن التكذيب ، قوله (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [١٢٩] عطف على (كَلِمَةٌ) ، أي لو لا كلمة وأجل مسمى ، أي مضروب بوقت وهو يوم القيامة لكان العذاب ملازما غير مفارق عنهم.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠))
(فَاصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) أي أهل مكة فيك ، وهذا منسوخ بآية السيف (٤)(وَسَبِّحْ) أي صل (بِحَمْدِ رَبِّكَ) في موضع الحال ، أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وهي صلوة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) وهي صلوة العصر والظهر ، قوله (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) يتعلق بقوله (فَسَبِّحْ) بعد أي سبح من ساعات الليل جمع إنى كمعا وأمعاء ، والمراد صلوة المغرب والعشاء (وَأَطْرافَ النَّهارِ) بالنصب عطف على ما قبله من الظروف ، أي سبح فيها وهي صلوة المغرب وصلوة الفجر على التكرار لإرادة الاختصاص كما في قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٥) لصلوة العصر عند بعض المفسرين ، وقيل : سمي
__________________
(١) انظر البغوي ، ٤ / ٣٦.
(٢) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٥٨.
(٣) أي ، و : وهو ، ح ي.
(٤) أخذه المفسر عن البغوي ، ٤ / ٣٨ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٦٤ ؛ وابن الجوزي ، ٤٣.
(٥) البقرة (٢) ، ٢٣٨.