وقت الظهر أطراف النهار ، لأن للنهار طرفين ، طرف النصف الأول انتهاء وهو وقت الظهر عند الزوال ، وطرف النصف الثاني ابتداء ، وهو وقت الظهر إلى العصر (١) ، وإنما جمع بعد إرادة المثنى لأمن اللبس لقوله في موضع آخر (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)(٢) ، وقيل : جمع باعتبار أجزاء النهار (٣) ، جعل كل جزاء منه طرفا أو المراد ساعات النهار (لَعَلَّكَ تَرْضى) [١٣٠] بما تعطي من الشفاعة والترجي للمخاطب ، قيل : ولن يرضى صلىاللهعليهوسلم بتخليد أحد من أمته في النار (٤) ، عن جرير بن عبد الله : «كنا جلوسا عند رسول الله عليه وسلم فرأى القمر ليلة البدر ، فقال : «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فان استطعتم أن لا تغلبوا عن صلوة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) الآية» (٥).
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١))
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) أي العمل الصالح الخالص خير لك فاعمل بما أمرت ولا تنظرن بالرغبة إلى ما أعطيناه رجالا من أهل مكة (أَزْواجاً) أي أصنافا ، حال من ضمير (بِهِ) ، و «من» للبيان في (مِنْهُمْ) أي من الأولاد والأموال ، قوله (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) نصب على الذم أو بدل من (أَزْواجاً) ، أي ذوي زهرتها وهي البهجة والزينة (لِنَفْتِنَهُمْ) أي لنبتليهم (فِيهِ) أي فيما أعطيناهم من الأموال والأولاد فزادوا كفرا وطغيانا فنعذبهم لوجود الكفر أو لقلة الشكر (وَرِزْقُ رَبِّكَ) أي ثوابه في المعاد (خَيْرٌ) لك (وَأَبْقى) [١٣١] مما رزقوا من هذه الزينة في الدنيا ، لأنه في معرض الزوال ، قيل : من ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل علمه وحضر عذابه (٦) ، روي في سبب نزول هذه الآية : أن ضيفا نزل برسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يكن عنده شيء من الطعام فبعث إلى يهودي أن يبيعه شيئا من الطعام إلى أجل ، فقال اليهودي لا والله إلا برهن ، فأرسل درعه الحديد إليه ، فعزاه الله تعزية عن الدنيا بقوله (لا تَمُدَّنَّ) الآية (٧).
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢))
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أي أهل بيتك وقومك مع ائتمارك بها (وَاصْطَبِرْ) أنت وهم (عَلَيْها) أي على الاتيان بها وشدتها عند ضيق المعيشة ولا تهتم بأمر الرزق ، روي : أنه صلىاللهعليهوسلم إذا دخل نقص في الرزق أمر أهله بالصلوة (٨)(لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) لخلقنا ولا لنفسك ، إنما نسألك العبادة (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) وإياكم (وَالْعاقِبَةُ) المحمودة (لِلتَّقْوى) [١٣٢] أي لأهل التقوى وهي الجنة لا لأهل الدنيا.
(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣))
(وَقالُوا) أي قال (٩) المشركون من أهل مكة (لَوْ لا) أي هلا (يَأْتِينا) محمد (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) كموسى وعيسى لتكون علامة لنبوته ، فقال الله تعالى (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) [١٣٣] أي بيان ما في الكتب المتقدمة من التورية والإنجيل والزبور وغيرها من أنباء الأمم ، فانهم اقترحوا الآيات ، فلما أتاهم لم يؤمنوا بها فعجلنا لهم العذاب والهلاك أيريدون أن يكون حالهم كحال هؤلاء المكذبين ، وقيل (١٠) : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ) برهان (١١)
__________________
(١) اختصره من البغوي ، ٤ / ٣٨.
(٢) هود (١١) ، ١١٤.
(٣) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٥) رواه البخاري ، التوحيد ، ٢٤ ؛ ومسلم ، المساجد ، ٢١١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٥٨ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٨.
(٦) قد أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣٩.
(٧) عن أبي رافع مولى رسول الله ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٥٩ ؛ والواحدي ، ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٩ ؛ والكشاف ، ٤ / ٥٢.
(٨) وهذا منقول عن البغوي ، ٤ / ٣٩.
(٩) قال ، و : ـ ح ي.
(١٠) معناه ، + و.
(١١) برهان ، و : بيان ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٥٢.