بالشدة والرخاء ، قوله (فِتْنَةً) مصدر مؤكد لقوله (١)(نَبْلُوكُمْ) من غير لفظه ، أي نختبركم اختبارا بما يجب فيه الصبر من البلايا وبما يجب فيه الشكر من النعم (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [٣٥] فنجازيكم على حسب ما وجد منكم من الشر والخير.
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦))
قوله (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نزل حين مر النبي صلىاللهعليهوسلم بأبي سفيان وأبي جهل ، فقال أبو جهل لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف كالمستهزئ به فقال تعالى (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) أي ما يتخذك الكفار (٢) بقولهم هذا نبي بني عبد مناف (إِلَّا هُزُواً) مفعول ثان ل «يتخذون» ، يعني يتخذونك مهزوء ويقولون سخرية (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي يعيبهم أو الذكر عام للخير والشر ، قوله (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) الجملة في محل النصب على الحال ، أي يتخذونك هزوا وهم بالذي ذكر فيه توحيده وهو القرآن (هُمْ كافِرُونَ) [٣٦] أي جاحدون أو ذكره توحيده الذي يجب أن يذكر به ، فهم أحق بأن يتخذوا هزوا منك لأنك على الحق وهم مبطلون ، وقيل : كفرهم بذكر الرحمن قولهم ما نعرف بالرحمن إلا مسيلمة الكذاب (٣).
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧))
ثم استعجل كفار قريش نزول العذاب الموعود لهم فقال تعالى (خُلِقَ الْإِنْسانُ) أي آدم (مِنْ عَجَلٍ) أي بعجلة من غير ترتيب الأطوار كترتيب ذرية آدم بأن قيل له كن فكان ، والعجل هو الإسراع قبل الوقت ، وقيل : معناه عجلا (٤) ، وهو حال من (الْإِنْسانُ) ، أي حال كونه عاجلا في فعل شيء لما روي : «أن آدم لما خلق فبلغت الروح رأسه أبصر ثمار الجنة فقام إليها قبل أن يبلغ الروح رجليه» (٥) ، وقيل : (مِنْ) بمعنى مع (٦) ، أي خلق مع صفة العجلة فيه للابتلاء ، ولذلك استعجل الكفار نزول العذاب كما استعجل آدم القيام فقال تعالى (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي نقماتي (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [٣٧] بالاتيان بها فهم نهوا عن الاستعجال مع كون العجلة مخلوقة فيهم فكأن فيه تكليف ما لا يطاق وليس كذلك ، لأن الله تعالى أعطاهم القدرة التي بها استطاعوا أن يصدوا نفوسهم عن مراداتها ، وقيل : الآيات آثار الأمم الماضية المعذبة ومنازلهم من قوم نوح وهود وثمود ولوط وصالح (٧) ، وكانت قريش يسافرون في البلدان فيرون تلك الآثار والمنازل ، ونزل حين وعدهم الله البعث فسألوا عنه على وجه الاستهزاء والإنكار (٨) ، وقيل : كانوا يستعجلون القيامة (٩).
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠))
(وَيَقُولُونَ) سائلين (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٣٨] فيما تعدنا من أنا نبعث فقال تعالى (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ) أي لا يدفعون (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) لكون أيديهم مغلولة يومئذ (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) لإحاطتها بهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [٣٩] أي لا يمنعون عما نزل بهم من العذاب في الآخرة ، وجواب «لو» محذوف وهو لامتنعوا من الشرك ولما استعجلوا بقولهم متي هذا الوعد (بَلْ تَأْتِيهِمْ) الساعة أو النار (بَغْتَةً) أي فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أي فتحيرهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) أي رد الساعة أو النار (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [٤٠] أي
__________________
(١) لقوله ، وي : بقوله ، ح.
(٢) ما يتخذك الكفار ، ح ي : ما يتخذونك ، و.
(٣) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٦١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٦٧ ؛ والبغوي ، ٤ / ٥٠.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٥) ذكر نحوه سعيد بن جبير والسدي ، انظر البغوي ، ٤ / ٥١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٦١.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) قد أخذ المؤلف هذا المعنى نقلا عن السمرقندي ، ٢ / ٣٦٨.
(٨) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٥١.
(٩) وقد نقله عن البغوي ، ٤ / ٥١.