إلا الوزغ ، فانه كان ينفخ» (١) ، ولذا أمر النبي عليهالسلام بقتل الوزغ فقال : «كان ينفخ على إبراهيم» (٢) ، فلما أخلص (٣) قلبه لله تعالى ووقع في النار لم يحترق سوى وثاقه ، فثمه بكت الملائكة عليه وقالوا ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك ، فقال تعالى مخبرا عن حاله (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [٦٩] أي ذا برد وذا سلام (٤) ، قيل : نزع الله طبعها الذي خلقها عليه من الحر والإحراق ، فذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها (٥) ، فأخذته الملائكة من ضبعيه وأجلسوه على الأرض ، وضرب جبرائيل جناحه على الأرض فأظهر الماء العذب وروضة خضراء ووردا أحمر ونرجسا ، وأقام فيها سبعة أيام وجاءه ملك بقميص من حرير الجنة وطنفسة ، فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وجعل يحدثه ويقول له إن ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضر أحبائي.
روي : أن نمرود خرج في اليوم الثالث مع حشمه على ربوة فنظر إلى النار فرأى في وسطها ماء وخضرة وشخصين حولهما ، فقال : فما لي أرى نفسين فيها ونحن رمينا إنسانا واحدا ، فرجع متحيرا (٦) ، روي : أنه نادى يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج من النار؟ قال : نعم ، قال : فاخرج منها فقام يمشي فيها حتى خرج منها ، فقال : يا إبراهيم من الذي رأيته معك في صورتك قاعدا إلى جنبك؟ قال ذلك ملك الظل ، أرسلني ربي ليونسني فيها ، قال : إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك قال لا يقبل الله منك ما لم تفارق دينك إلى ديني ، قال لا أستطيع ترك ملكي ولكن أذبح أربعة آلاف بقرة ، فذبحها له ، ثم كف عن إبراهيم ومنعه الله منه (٧) ، قيل : «ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة» (٨).
فقال تعالى (وَأَرادُوا بِهِ) أي بابراهيم (كَيْداً) أي حرقا (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [٧٠] أي الأذلين والمغبونين في اتفاقهم (٩) على كيده وهو الإحراق ، وقيل : الهالكين بتسليط البعوض عليهم وقتله إياهم (١٠).
(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١))
(وَنَجَّيْناهُ) أي إبراهيم وقومه من الإحراق ومن شر نمرود (وَلُوطاً) أي نجيناه وهو ابن أخي إبراهيم اسمه هاران مهاجرا (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) [٧١] وهو أرض الشام بالخصب وكثرة الماء والثمار للمخلوقين ، وقيل : وصلت بركتها إلى العالمين ، لأن أكثر الأنبياء فيها بعثوا وانتشرت شرائعهم في العالم (١١) ، روي : أن إبراهيم قال للوط إني أريد أن أهاجر إلى الشام وهو أول من صدق بابراهيم واتبعه فخرجا مهاجرين من كوثى من أرض العراق إلى بيت المقدس (١٢) ، وروي : أنه نزل بفلسطين ومعه سارة ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم (١٣).
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢))
(وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم بعد نزوله فيها وطلب الولد منا (إِسْحاقَ وَ) وهبنا له أيضا ولد الولد (يَعْقُوبَ نافِلَةً) أي زيادة على سؤاله ، وقيل : «نافلة» معناه ولد الولد (١٤) ، وهو حال من (يَعْقُوبَ (وَكُلًّا) أي كل واحد منهم (جَعَلْنا صالِحِينَ) [٧٢] يعني أكرمناهم بالهداية إلى صراط مستقيم.
__________________
(١) انظر البغوي ، ٤ / ٥٩.
(٢) انظر البغوي ، ٤ / ٥٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٣) الله ، + ح.
(٤) سلام ، و : سلامة ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٦٦.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٦٦.
(٦) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٣٧٢.
(٧) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٦٠.
(٨) عن شعيب الجبائي ، انظر البغوي ، ٤ / ٦٠.
(٩) اتفاقهم ، ي : إنفاقهم ، ح و.
(١٠) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٦٠.
(١١) قد أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٦٦ ـ ٦٧.
(١٢) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٣٧٢.
(١٣) نقله المفسر عن الكشاف ، ٤ / ٦٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٦١.
(١٤) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٦٧.