(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩))
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ) أي يذهب أذى المشركين ، وقرئ «يدفع» (١)(عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ)(٢) أي كل خائن لأمانته وأورد بلفظ المبالغة ، لأن من يذبح لغير الله فهو كثير الخيانة لربه (كَفُورٍ) [٣٨] لنعمه ، وفي هذه الآية إيماء إلى تحمل أذى المشركين والنصرة عليهم ، لأن كفار مكة كانوا يضربونهم ويشجونهم ويأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويطلبون قتالهم قبل الهجرة فيأمرهم بالصبر ، أي يقول اصبروا على أذاهم ، فاني لم أومر بقتالهم حتى هاجر فنزلت آية (٣)(أُذِنَ) ونسخت سبعين اية (٤) ، لأنها أول آية نزلت في الإذن بالقتال ، أي أذن الله (لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) بفتح التاء مجهولا ، أي يقاتلهم عدوهم ، وبكسرها معلوما (٥) ، أي يقاتلونهم عدوهم (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي بسبب ظلم الكفار إياهم (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ) أي نصر المؤمنين على الكافرين (لَقَدِيرٌ) [٣٩] فلما هاجروا أمروا بالقتال.
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠))
ثم بين ظلم الكفار المؤمنين بقوله (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي من مكة ، بدل من «للذين يقاتلون» أو نصب على المدح ، أي أعنى الذين أخرجوا من ديارهم (بِغَيْرِ حَقٍّ) أي بغير جرم (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا) استثناء من المنفي المقدر ، يدل عليه قوله (بِغَيْرِ حَقٍّ)(٦) ، أي ما أخرجوا إلا لأن يقولوا (رَبُّنَا اللهُ) يعني أخرجوهم بسبب هذا القول الموجب للتمكين لا للإخراج (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي المشركين بالمؤمنين لغلب المشركون على المؤمنين وعلى من في ذمتهم ، فجواب (لَوْ لا) قوله (لَهُدِّمَتْ) أي لخربت (٧)(صَوامِعُ) للرهبان (وَبِيَعٌ) للنصارى (وَصَلَواتٌ) أي مواضعها وهي كنائس اليهود (وَمَساجِدُ) المسلمين ، المعنى : لو لا دفع الله عن المتعبدين بالمجاهدين في سبيل الله لانقطعت العبادات وخربت أمكنتها التي (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أي ينصر دينه (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [٤٠] أي غالب قادر على أن ينصر محمدا صلىاللهعليهوسلم بغير نصرتهم.
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١))
قوله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) بدل من «الذين أخرجوا» أو تمكينهم (فِي الْأَرْضِ) أي ينصرهم على عدوهم ، وقيل : إنزالهم بالمدينة وهم أصحاب النبي عليهالسلام (٨)(أَقامُوا الصَّلاةَ) المكتوبة (وَآتَوُا الزَّكاةَ) المفروضة (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ) أي بالتوحيد واتباع محمد صلىاللهعليهوسلم (وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن الشرك والنفاق (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [٤١] أي إليه يرجع عاقبة أمور العباد في الآخرة من الثواب والعقاب.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ
__________________
(١) «يدافع» : قرأ المكي والبصريان بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء من غير ألف ، والباقون بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء. البدور الزاهرة ، ٢١٥.
(٢) كفور ، + و.
(٣) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٨٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ١٢١.
(٤) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٨٥ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٨٩.
(٥) «يقاتلون» : فتح التاء المدنيان والشامي وحفص ، وكسرها سواهم. البدور الزاهرة ، ٢١٥.
(٦) يدل عليه قوله بغير حق ، وي : ـ ح.
(٧) لخربت ، و : خربت ، ح ي.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٩٧.