ورده إلى الرق ، قوله (فَكاتِبُوهُمْ) أمر ندب عند الأكثرين (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أي صدقا وأداء أمانة ، قوله (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أمر للمؤمنين على وجه الندب ، وقيل : على وجه الوجوب باعانة المكاتبين (١) ، وقيل : هو إيجاب على الموالي أن يحطوا لهم عن مال الكتابة ، وإن لم يفعلوا أجبروا عليه ، وهو مذهب الشافعي رحمهالله (٢) ، وعن علي رضي الله عنه : «يحط له الربع» (٣) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «يرضخ له من كتابته شيئا» (٤)(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) أي جواريكم على الزنا (إِنْ أَرَدْنَ) أي إذا طلبن (تَحَصُّناً) أي امتناعا عن الزنا ، وإنما فسر (إِنْ) ب «إذا» لأن إكراههن على الزنا ، لا يجوز إن لم يردن التحصن ، وإنما أورد (إِنْ) موقع إذا ليؤذن أن الجواري الزانية كن يفلعن ذلك بطوع ورغبة غالبا ، وقيل : هو شرط مقحم ليحصل المبالغة في النهي عن الإكراه ، لأن الإكراه لا يتأتي إلا مع إرادة التحصن ، إذ آمر الطيعة للبغاء لا يسمى مكرها ولا آمره إكراها (٥) ، ويختار بعضهم الوقف على (الْبِغاءِ) ويبتدئ بالشرط بتقدير الجواب وهو (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) في الدين ، وقيل : الشرط يتعلق بقوله (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى)(٦) ، واللام في (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتعلق بقوله (لا تُكْرِهُوا) ، أي لا تجبروهن على الزنا لتطلبوا أموالها بكسبهن وبيع أولادهن (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٣٣] لهن ولهم إن تابوا وأصلحوا ، قيل : لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن لأن المكرهة على الزنا غير آثمة ، أجيب بأن المغفرة هنا بيان عدم الإثم لهن بالإكراه ، وأما الرجل فلا يحل له الزنا بالإكراه عليه ، لأن الفعل من جهته ولا يتأتى إلا برغبة منه فكان كالقتل بغير حق لا يبيحه الإكراه بحال (٧).
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤))
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي موضحات الحلال والحرام أو مفصلات بهما من الأحكام والحدود ، قرئ بالكسر والفتح في جميع القرآن (٨)(وَمَثَلاً) أي أنزلنا مثلا (مِنَ) أمثال (الَّذِينَ خَلَوْا) أي مضوا (مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم فقصة عائشة منها (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [٣٤] أي وأنزلنا ما وعظ به المتقون من الآيات نحو (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ)(٩) ، وقوله (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ)(١٠) الآيتين.
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥))
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي الله ناشر الحق فيهما وهو كالنور في بيانه وظهوره أو هو منورهما بنور الشمس ونور القمر أو الله هادي من فيهما بنوره (مَثَلُ نُورِهِ) أي صفة نور الله الحق في الإضاءة في قلب النبي أو المؤمن (كَمِشْكاةٍ) أي كصفة مشكوة ، وهي االكوة في الجدار غير النافذة (فِيها مِصْباحٌ) أي سراج ثاقب (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) أي في قنديل من زجاج ، لأن الضوء في الزجاج أظهر ، ثم شبهه بالكوكب في
__________________
(١) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ١٢٦.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٢٧.
(٣) انظر الكشاف ، ٤ / ١٢٧.
(٤) انظر الكشاف ، ٤ / ١٢٧.
(٥) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ١٢٧.
(٦) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.
(٧) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ١٢٧.
(٨) «مبينات» : فتح الياء الشامي وحفص والأخوان وخلف ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٢٣.
(٩) النور (٢٤) ، ٢.
(١٠) النور (٢٤) ، ١٢.