بيتك ، وصل صلوة الضحى ، فانها صلوة الأوابين» (١)(كَذلِكَ) أي مثل هذا البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي آيات الأمر والنهي في الطعام والشراب وغيرهما (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [٦١] أي تفهمونها وتعملون (٢) بها.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢))
قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) نزل حين جمع النبي عليهالسلام المسلمين يوم الجمعة ليستشيرهم في أمر الغزو ، وكان يثقل المقام على البعض عنده فيخرج بغير إذنه ، فجعل الله عدم الخروج من عنده بغير إذنه ثالث الإيمان بالله وبرسوله تغليظا عليهم واستعظاما لجنايتهم لئلا يخالفوا أمره (٣) ، فقال إنما المصدقون حقيقة هم الذين صدقوا بالله في أمره وبرسوله في سنته (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أي مع النبي عليهالسلام (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) أي على أمر جمعهم له وعليه كغزو وصلوة أو خطب جليل ، لا بد لرسول الله فيه من اجتماع ذوي الآراء والقوى (لَمْ يَذْهَبُوا) أي لم يتفرقوا عنه عليهالسلام (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) في الانصراف ، وقيل : قوله (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) تأكيد لحصر الإيمان بالله ورسوله ، وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) زيادة تأكيد وتشديد ، حيث أعاده على أسلوب آخر وجعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسللهم لواذا (٤) ، وقيل : نزلت هذه الآية في حفر الخندق وكان قوم يتسللون بغير إذن (٥) ، فيها بيان حفظ الأدب بأن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور الإسلام لا يرجعوا عنه إلا باذنه ، قوله (أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) خبر (إِنَّ (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ) في الانصراف (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أي لبعض حوائجهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) لا اعتراض عليك (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) إن خرجوا باذنك لخروجهم عنك (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٦٢] لمن تاب وأطاع ولا تأذن لمن شئت منهم إذا لم يكن لهم حاجة في الانصراف كالمنافقين.
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣))
قوله (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) بيان توقير النبي عليهالسلام وتعظيمه ، لأنه كان معلم الخير (٦) ، ففيه إيذان لمعرفة (٧) حق كل معلم العلم والخير ، أي لا تجعلوا أيها المؤمنون دعاءه إياهم إلى الإيمان (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) لا تلتفتون إليه (٨) ، بل آمنوا مسرعين أو دعاءه لأمر مهم عنده كذلك ، فأجيبوه بالتفخيم والتعظيم ولا تتفرقوا إلا باذنه أو لا تجعلوا دعاءه عليكم كدعائكم على إخوانكم بل احذروه ، فانه مستجاب الدعوة أو لا تجعلوا نداءه بينكم ، وتسميته كما يسمي بعضكم بعضا باسمه الذي سماه أبواه ، فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض والتواضع (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ) أي يخرجون بخفية قليلا قليلا ، قوله (لِواذاً) نصب على الحال وهو أن يستتر الشخص بغيره أي ملاوذين ، و (قَدْ) فيه للتحقيق وتأكيد علمه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ) أي يميلون معرضين (عَنْ أَمْرِهِ) أي عن أمر الله تعالى أو أمر محمد عليهالسلام ، وقيل : «عن» زائدة (٩) ، قوله (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) مفعول «يحذر» ، والفتنة المحنة
__________________
(١) انظر الكشاف ، ٤ / ١٣٦. ولم أجد له مأخذا في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٢) وتعملون ، وي : وتعلمون ، ح.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٥١ ؛ والكشاف ، ٤ / ١٣٧.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٣٧.
(٥) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٥١.
(٦) معلم الخير ، ح ي : منهم أخير ، و.
(٧) لمعرفة ، ح ي : بمعرفة ، و.
(٨) تلتفتون ، ح : يلتفتون ، وي.
(٩) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٥١.