(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧))
(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) بفتح الراء مصدر في موضع الحال أو مفعول له وهو تفسير للمشي ، أي بطرا وكبرا ، وكسر الراء رواية حالا (١) ، أي ذا فرح مختالا تمشي مرة على عقبيك ومرة على صدور قدميك ، فيقال لك (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي لن تثقبها بكبرك حتى تخرج منها (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) [٣٧] نصبه حال أو تمييز أو مفعول له ، أي لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك إن مشيت على صدور قدميك ، قال أبو هريرة : «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله عليهالسلام ، كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله عليهالسلام كأنما الأرض تطوي له أنا لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث» (٢).
(كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨))
(كُلُّ ذلِكَ) أي كل الذي ذكرناه (كانَ سَيِّئُهُ) بالإضافة ، أي سيء ما عددنا عليك (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) [٣٨] أي إثما ومعصية وهو ما سوى الأمور الحسنة كقوله (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ)(٣) ، وغير ذلك ، وقرئ «سيئة» منصوبة بالتنوين (٤) ، فمعناه : كل ما ذكرناه من قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ)(٥) إلى هذا الموضع كان سيئة لا حسنة ، فعلى هذا كان قوله (كُلُّ ذلِكَ) إحاطة بما نهي عنه خاصة ، وإنما لم يقل «مكروهة» بالتاء ليطابق الموصوف ، وهو «سيئة» نظرا إلى المعنى دون اللفظ ، لأن السيئة الذنب وهو مذكر أو لأن تأنيثها غير حقيقي.
(ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩))
(ذلِكَ) أي كل ما أمر الله به ونهى عنه (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) أي فهو حكمة هادية إلى الرشد ، سمي بها ، لأنها محكمة لا يتطرق عليه فساد ما ، قوله (مِنَ الْحِكْمَةِ) بيان لما أوحي ، قوله (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) خطاب للنبي عليهالسلام ، والمراد غيره ، أي لا تشرك بالله (فَتُلْقى) أي فتطرح (فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) أي يلومك الناس (مَدْحُوراً) [٣٩] أي مبعدا من كل خير.
(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠))
ثم خاطب المشركين من أهل مكة توبيخا بقوله (أَفَأَصْفاكُمْ) الهمزة فيه للإنكار ، أي أشركتم وشاركتم بالله يا كفار مكة فخصكم (رَبُّكُمْ) على وجه الخلوص (بِالْبَنِينَ) أي بأفضل الأولاد (وَاتَّخَذَ) لنفسه (مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) باضافتكم إليه الأولاد ، لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) [٤٠] أي منكرا شديدا باشراككم به شيئا وتفضيلكم عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون ، ثم بأن تجعلوا (٦) أشرف خلق الله أهونه بتسميته إناثا.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١))
ثم قال الله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي بينا (فِي هذَا الْقُرْآنِ) الحكم والأمثال والحجج والأحكام (لِيَذَّكَّرُوا) بالتخفيف والتشديد (٧) ، أي ليتعظوا بما فيه وينتهوا عن عبادة الأوثان (وَما يَزِيدُهُمْ) تصريفنا بالقرآن (إِلَّا
__________________
(١) لعله أخذ هذه القراءة عن الكشاف ، ٣ / ١٧٩.
(٢) انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٦.
(٣) الإسراء (١٧) ، ٢٤.
(٤) «سيئه» : قرأ المدنيان والمكي والبصريان بفتح الهمزة وبعدها تاء تأنيث منصوبة منونة ، والباقون بضم الهمزة وبعدها هاء مضمومة موصولة بواو في اللفظ. البدور الزاهرة ، ١٨٥.
(٥) الإسراء (١٧) ، ٣١.
(٦) ثم بأن تجعلوا ، س : وبجعل ، ب ، وتجعلون ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٨٠.
(٧) «ليذكروا» : قرأ الأخوان وخلف باسكان الذال وضم الكاف مخففة ، والباقون بفتح الذال والكاف مع تشديدهما. البدور الزاهرة ، ١٨٥.