القصاص والدية فلا يستزد على ذلك ومن لم يكن له قريب يطالب بدمه فالسلطان وليه ، قيل : يجوز أن يكون الضمير في (إِنَّهُ) للمظلوم بمعنى إن الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله وينصره في الآخرة بالثواب (١).
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤))
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) أي بالخصلة والطريقة (هِيَ أَحْسَنُ) وهي حفظه عليه وتثميره بالتعامل الشرعي وتربيحه (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي منتهى بلوغه (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) الذي بينكم وبين ربكم أو بينكم وبين الناس إذا عاهدتم لكل أحد وهو ما يلتزمه الإنسان على نفسه (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ) عنه (مَسْؤُلاً) [٣٤](٢) أي يسأل الناكث عنه يوم القيامة أو يسأل العهد لم نكثت يا عهد توبيخا لناقضه كسؤال المؤودة لم قتلت توبيخا لقائلها ، قيل : العهد هنا الإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه (٣).
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥))
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) لغيركم (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي بميزان العدل ، قرئ بكسر القاف وضمها (٤) ، وهو الميزان بلغة الروم (٥) صغر له أو كبر ، وقيل : عربي ، مأخوذ من القسط وهو العدل (٦)(ذلِكَ) أي الوفاء في الكيل والوزن وبجميع ما أمركم الله به (خَيْرٌ) من الغدر والنقص (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [٣٥] أي عاقبة ، وهي ما يؤول إليه الأمر من الخير والشر.
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))
(وَلا تَقْفُ) أي لا تتبع بالحدس والظن (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ) أي بحقيقته (عِلْمٌ) يعني لا تقل رأيت ولم تره ، وسمعت ولم تسمعه ، وعلمت ولم تعلمه ، من القفو وهو اتباع الأثر ، عن الحسن رضي الله عنه : «ولا تقف أخاك المسلم إذا مر بك ، فتقول هذا يفعل كذا ورأيته يفعل كذا وسمعته يفعله ولم تره ولم تسمعه» (٧) ، وقيل : القفو شبيه بالعضيهة (٨) ، أي بالبهتان ويدخل فيه النهي عن التقليد دخولا ظاهرا ، لأنه اتباع لما لا يعلم صحته ولا فساده (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) رفع (٩) مبتدأ ، مضاف إلى اسم الإشارة ، أي جميع هذه الأعضاء من السمع والبصر والفؤاد ، والخبر (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [٣٦] والضمير في (كانَ) وفي (عَنْهُ) يرجع إلى (كُلُّ) لتذكير اللفظ ، وقدم (عَنْهُ) على (مَسْؤُلاً) لرعاية الفاصلة ، فالوجه أن يكون (عَنْهُ) في محل الرفع ب (مَسْؤُلاً) المقدر قبله لدلالة المذكور عليه تفسيرا (١٠) ، و (أُولئِكَ) جمع «ذا» ، و «ذا» إشارة إلى العقلاء وغيرهم ، والجملة في محل الرفع خبر (إِنَّ) ، قيل : في معنى هذه الآية (١١) يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده (١٢) ، وقيل : يسأل السمع والبصر عما فعله المرء (١٣) ، عن ابن حميد أنه قال : «أتيت النبي عليهالسلام ، فقلت : يا نبي الله! علمني تعويذا أتعوذ به ، فأخذ بيدي ، ثم قال : «قل أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر لساني وشر قلبي وشر منيي» ، فحفظتها» (١٤) ، والمني ماؤه.
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٧٨.
(٢) قدم عنه على مسئولا لرعاية الفاصلة فالوجه أنه في محل الرفع على أنه فاعل مسئولا المقدرة لدلالة المذكور عليه تفسيرا ، + م.
(٣) نقله عن البغوي ، ٣ / ٤٩٤.
(٤) «بالقسطاس» : كسر القاف حفص والأخوان وخلف ، وضمها الباقون. البدور الزاهرة ، ١٨٥.
(٥) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٥.
(٦) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٩٥.
(٧) انظر الكشاف ، ٣ / ١٧٩.
(٨) نقله المصنف عن الكشاف ، ٣ / ١٧٩.
(٩) رفع ، س : رفعه ، ب ، ـ م.
(١٠) قدم عنه على مسئولا لرعاية الفاصلة فالوجه ... المقدر لدلالة المذكور عليه تفسيرا ، ب س : ـ م.
(١١) في معنى هذه الاية ، ب س : ـ م.
(١٢) نقله عن البغوي ، ٣ / ٤٩٥.
(١٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٩٥.
(١٤) رواه الترمذي ، الدعوات ، ٧٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٥.