الحق كالمغلولة يده ولا تبسطها كل البسط (١) في العطية (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) يلومك سائلوك بالإمساك إذا لم تعطهم (مَحْسُوراً) [٢٩] أي نادما على ما فرط منك أو منقطعا عن المال فلا تجد عندك شيئا تنفقه على سائلك.
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠))
ثم سلى نبيه عليهالسلام عما فيه من الضيق والفقر بقوله (٢)(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ) من كان صلاحه في التوسعة (وَيَقْدِرُ) أي ويضيق على من يشاء من كان صلاحه في التضييق لا لهوان مني عليه ولا لبخل به عليه (٣)(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [٣٠] يعلم صلاح كل واحد منهم من البسط والقتر فمشيته تابعة للحكمة (٤).
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١))
قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) أي مخافة الفقر ، نزل نهيا عن فعل الجاهلية حيث كانوا يقتلون بناتهم خشية الفاقة ، وأخبر أن الله ضامن لهم أن يرزقهم ويرزق أولادهم بقوله (٥)(نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) [٣١] أي ذنبا عظيما ، قرئ بكسر الخاء وسكون الطاء ، وبفتح الخاء والطاء بلا مد ، وبكسر الخاء وفتح الطاء مع المد (٦) ، ومعنى الكل واحد.
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢))
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) وهو نهي عن مقدمات الزنا كالنظرة واللمسة ، فالنهي عن الزنا أولى وليس المراد نفس الزنا ، وإلا لقال ولا تزنوا (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) أي قبيحة أشد القبح (وَساءَ سَبِيلاً) [٣٢] أي بئس طريقا طريقه ، لأنه غصب على الغير من غير سبب شرعي ، وهو التصهر الذي شرعه الله ، قال ابن مسعود : «لا أحد أغير من الله تعالى» (٧) ، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي باستحقاقها القتل لما روي عن النبي عليهالسلام : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس» (٨)(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي غير راكب واحدة من ثلاث (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) أي لقريب (٩) المظلوم (سُلْطاناً) أي قوة وولاية على القاتل بالقتل قصاصا فهو بالخيار إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ الدية إذا اصطلحا على ذلك ، وإن شاء قتله (فَلا يُسْرِفْ) بالتاء على الخطاب وبالياء (١٠)(فِي الْقَتْلِ) أي الولي لا يقتل بالواحد اثنين ولا غير قاتل حمية ولا يقتل بعد ما عفا أو أخذ الدية ، وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل الواحد وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقاربه ، فنهوا عن ذلك (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [٣٣] أي إن ولي المقتول منصور من الله على القاتل باستيفاء
__________________
(١) بالإسراف ، + م.
(٢) ثم سلى نبيه عليهالسلام عما فيه من الضيق والفقر بقوله ، ب س : ـ م.
(٣) لا لهوان مني عليه ولا لبخل به عليه ، ب س : ـ م.
(٤) فمشيته تابعة للحكمة ، ب س : ـ م.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٩٣ ـ ٤٩٤.
(٦) «خطأ» : قرأ ابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء وألف ممدودة بعدها والمد عنده حينئذ متصل ، وابن ذكوان وأبو جعفر بفتح الخاء والطاء من غير ألف ولا مد ، والباقون بكسر الخاء وإسكان الطاء ولا بد من التنوين والهمزة للجميع ، ووقف عليه حمزة بنقل حركة الهمزة إلى الطاء وحذف الهمزة فيصير النطق بخاء مكسورة وطاء مفتوحة ممدودة مدا طبيعيا بعدها. البدور الزاهرة ، ١٨٥.
(٧) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٦٧.
(٨) أخرجه أبو داود ، الديات ، ٣ ؛ وابن ماجة ، الحدود ، ١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٤.
(٩) لقريب ، ب م : لقريبه ، س.
(١٠) «يسرف» : قرأ الأخوان وخلف بالتاء المثناة الفوقية ، والباقون بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ١٨٥.