(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦))
(وَآتِ) أي أعط (ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أي صلته بالمودة والزيارة وحسن المعاشرة والمعاضدة إذا كانوا عاجزين من الكسب محتاجين إليك ، يعني به صلة الرحم ، وقيل : «أراد به قرابة الرسول عليهالسلام» (١)(وَالْمِسْكِينَ) أي وأعط السائل (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي الضيف النازل وحقه ثلاثة أيام (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) [٢٦] أي لا تنفق مالك في غير طاعة الله ، قيل : «لو أنفق إنسان ماله كله في سبيل الحق لم يكن تبذيرا» (٢).
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧))
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ) أي (٣) المنفقين أموالهم في غير سبيل الحق (كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي أعوانهم وأمثالهم في الشر (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [٢٧] أي جحودا لنعمة فلا ينبغي أن يطاع ، لأنه يدعو إلى مثل عمله.
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨))
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) أي إن أعرضت عن هؤلاء الذين أمرتك بالإنفاق عليهم من ذي القربى وغيرهم مجيب لهم إذا لم يكن عندك شيء حياء منهم عند سؤالهم عنك شيئا ، فليس المراد بالإعراض الإعراض بالوجه ، لأنه كناية عن الإباء من الإعطاء ، بل المراد تركهم بلا جواب يدل عليه المفعول له ، وهو (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) أي لطلب رزق (مِنْ رَبِّكَ) لتعطيهم ، فتقدير المعنى : لفقد رزق تطلبه من الله ، فوضع الابتغاء الذي هو المسبب موضع الفقد الذي هو السبب ، يعني لطلب نعمة ليست عندك (٤)(تَرْجُوها) أي ترجو أن يأتيك بها الله وتنتظره (فَقُلْ لَهُمْ) جواب الشرط (٥)(قَوْلاً مَيْسُوراً) [٢٨] أي لينا سهلا ، يعني عدهم عدة جميلة تطييبا لقلوبهم ولا تتركهم بلا جواب لهم ليشتغل قلوبهم (٦) ، وقل : رزقنا الله وإياكم ، قيل : يجوز أن يتعلق (ابْتِغاءَ) بنفس الشرط كما عرفت ، ويجوز أن يتعلق بجوابه مقدما عليه (٧) ، أي فقل لهم قولا جميلا ابتغاء رحمة من الله عليك برحمتك عليهم ، قيل : نزلت الآية في بلال وصهيب وسالم وغيرهم من الفقراء ، كانوا يسألون النبي عليهالسلام ما يحتاجون إليه ، ولا يجد فيعرض عنهم حياء منهم ويمسك عن القول (٨).
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩))
قوله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) بخلا عن النفقة (وَلا تَبْسُطْها) بالعطاء (كُلَّ الْبَسْطِ) في الإسراف فتعطي جميع ما عندك فيجيء الآخرون ويسألونك فلا تجد ما تعطيهم للنبي صلى الله عليهالسلام بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، نزل حين جاء صبي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أمي تسألك درعا ولم يكن لرسول الله إلا قميصة ، فقال : للصبي عد وقتا آخر ، فذهب إلى أمه ، فقالت : قل له إن أمي تسألك الدرع الذي عليك ، فدخل رسول الله عليهالسلام داره ونزع قميصه فأعطاه وقعد عريانا ، فأذن بلال بالصلوة فانتظروه فلم يخرج ، فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فرآه عريانا (٩) ، فقال تعالى لا تمسك يدك عن النفقة في
__________________
(١) عن علي بن الحسين ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٢.
(٢) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٢.
(٣) أي ، س م : أن ، ب.
(٤) فليس المراد بالإعراض الإعراض بالوجه لأنه كناية عن الإباء من الإعطاء بل المراد تركهم بلا جواب يدل عليه المفعول له وهو (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) أي لطلب رزق (مِنْ رَبِّكَ) لتعطيهم فتقدير المعنى لفقد رزق تطلبه من الله فوضع الابتغاء الذي هو المسبب موضع الفقد الذي هو السبب يعني لطلب نعمة ليست عندك ، ب س :
(ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) يعني لفقد رزق تطلبه من الله فوضع الابتغاء الذي هو مسبب موضع الفقد الذه هو السبب أي لطلب رزق (مِنْ رَبِّكَ ...) ،) م.
(٥) جواب الشرط ، س : جواب شرط ، م ، ـ ب.
(٦) ليشتغل ، ب س : يشتغل ، م.
(٧) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٧٧.
(٨) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٦٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٢.
(٩) عن جابر بن عبد الله ، انظر الواحدي ، ٢٤٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٩٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.