(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣))
(وَقَضى رَبُّكَ) أي وحكم أمرا مقطوعا به أو أوصى ربك (أن) أي بأن (لا (تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي لا توحدوا أحدا إلا الله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأمر برابهما وعطفا عليهما (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) «إن» شرطية زيدت عليها «ما» تأكيدا لها ، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ، ولو أفردت عن ما لم يصح دخول النون في الفعل (١) ، لا تقول إن تضربن زيدا أضربك ، قرئ «يبلغان» بالألف والتثنية والتشديد لذكر الوالدين قبله فيكون (أَحَدُهُما) بدلا من ألف الضمير الراجع إلى «الوالدين» (أَوْ كِلاهُما) عطف على (أَحَدُهُما) ، وقرئ «يبلغن» على التوحيد والتشديد (٢) ، وفاعله (أَحَدُهُما) ، وكلاهما عطف عليه ، أي إن بلغ أحد الأبوين الهرم عندك أو كلا الأبوين (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) بالكسر مع التنوين للتنكير ، وبالفتح وبالضم بلا تنوين (٣) ، وقدر فيه التعريف وهو اسم سمي به الفعل فبني ، ومعناه : التضجر ، أي لا تتضجر عند خروج مكروه منهما وإماطة البول في الخلا عنهما كما كانا (٤) يميطانه عنك صغيرا أو «لا (تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قولا رديا (وَلا تَنْهَرْهُما) أي ولا تغلظ عليهما بالقول (وَقُلْ) بدل التأفيف والنهر (لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) [٢٣] أي لينا حسنا عريا عن اللغو.
(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤))
(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ) من باب إضافة حاتم إلى الجود ، أي ألن لهما جناحك الذليل بالإصغاء إليهما وتواضع أو لا ترفع عليهما يدك تعظيما لهما وتحسينا للأدب (مِنَ الرَّحْمَةِ) أي من الشفقة لهما (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) أي اجعل رحمتهما في قلبي حتى أربيهما (كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [٢٤] وادع لهما بشرط الإسلام أو بالهداية والإرشاد ، قال صلىاللهعليهوسلم : «رضا الله في رضاء الوالد وسخطه في سخط الوالد» (٥) ، وقال عليهالسلام : «لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر» (٦) ، وقال عليهالسلام : «الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيع» (٧) ، قيل «بر الوالدين» : «أن لا تقوم إلى خدمتهما وأنت كسل» (٨).
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥))
ثم خاطب بخطاب عام (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) أي في ضمائركم من بر الوالدين وعقوقهما (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) أي بارين بالوالدين محسنين إليهما ، ثم صدر منكم ما يؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى الله بالاستغفار منه (فَإِنَّهُ) أي الله (كانَ لِلْأَوَّابِينَ) أي الراجعين إليه بالتورية من الذنوب إلى طاعته (غَفُوراً) [٢٥] قيل «الأواب» : «هو الذي يذنب ثم يرجع عن ذنبه ويتوب» (٩) ، وقيل «الأوابون» : «هم الذين يصلون صلوة الضحى» (١٠) ، قال عليهالسلام : «صلوة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى» (١١) ، أي إذا فرت من حرها إلى ظل أمها ، وقيل : «هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء» (١٢) ، فان الملائكة تحف بهم.
__________________
(١) فانك ، + م.
(٢) «يبلغن» : قرأ الأخوان بألف ممدودة مدا مشبعا بعد الغين وكسر النون ، والباقون بغير ألف مع فتح النون. البدور الزاهرة ، ١٨٥.
(٣) «أف» : قرأ المدنيان وحفص بكسر الفاء منونة ، وابن كثير وابن عامر ويعقوب بفتح الفاء بلا تنوين ، والباقون بكسرها بلا تنوين. البدور الزاهرة ، ١٨٥.
(٤) كانا ، س : كان ، ب م.
(٥) رواه الترمذي ، البر ، ٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٠.
(٦) روى النسائي نحوه ، الزكوة ، ٦٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٠.
(٧) أخرجه الترمذي ، البر ، ٣ ؛ وابن ماجة ، الطلاق ، ٣٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩٠.
(٨) عن الفضل بن عياض ، انظر الكشاف ، ٣ / ١٧٦.
(٩) عن سعيد بن جبير ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٦٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩١ (عن سعيد بن المسيب).
(١٠) عن عون العقيلي ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩١.
(١١) رواه مسلم ، مسافرين ، ١٤٣ ، ١٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٩١.
(١٢) عن محمد بن المنكدر ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٦٥.