وعلى المؤمنين يسيرا حتى يكون أخف عليهم من صلوة مكتوبة صلوها في الدنيا.
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧))
قوله (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) نزل حين صد ومنع عقبة بن أبي معيط أبي بن خلف عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم (١) ، فالظالم هو أبي الكافر ، يعني اذكر يوم يعض (عَلى يَدَيْهِ) أي يندم على تفريطه في جنب الله تعالى ، يجوز أن يكون (عَلى) زائدة ويكون العض حقيقة ، روي : «أنه يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه ثم تنبتان ثم يأكل هكذا يوم القيامة تحسرا» (٢) ، وهو (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) في الدنيا (مَعَ الرَّسُولِ) محمد عليهالسلام (سَبِيلاً) [٢٧] أي طريقا إلى الجنة وهو الإيمان.
(يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨))
(يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً) أي عقبة (خَلِيلاً) [٢٨] يعني صديقا ، والخلة هي أن لا يكون لطمع لا لخوف بل في الدين.
(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩))
(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أي الإيمان أو القرآن (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) وهذا آخر كلام الظالم ، وقيل : الظالم هو عقبة صده أبي عن الإيمان ، وكان سبب ذلك أن عقبة يكثر مجالسة الرسول عليهالسلام فاتخذ يوما ضيافة ، فدعا إليها رسول الله فأبى أن يأكل من طعامه حتى يشهد بأنه رسول الله ، ففعل وكان أبي صديقه فعاتبه ، وقال : صبأت يا عقبة؟ قال : لا ولكني شهدت له ليأكل من طعامي ، والشهادة ليست في نفسي ، فقال : ما أرضى عنك حتى تشتمه وتبزق في وجهه ، ففعل ذلك ، فنزلت هذه الآية (٣) ، وقيل : الآية عامة في كل متحابين اجتمعا في معصية الله تعالى (٤) ، قال صلىاللهعليهوسلم : «المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل» (٥)(وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ) المطيع له (خَذُولاً) [٢٩] يخذله ويهينه يوم القيامة بتبرئه منه ، هذا من كلام الله تعالى أو من كلام الظالم والشيطان خليله ، لأنه أضله كما يضله الشيطان ، ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة.
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠))
قوله (وَقالَ الرَّسُولُ) بيان شكاية النبي عليهالسلام إلى الله تعالى من قومه ، أي قال محمد صلىاللهعليهوسلم (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) أي قريشا (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [٣٠] أي متروكا لا يلتفتون ولا يؤمنون به ، عن النبي عليهالسلام : «من تعلم القرآن وعلمه وعلق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول : يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينك» (٦) ، وقيل : هو من الهجر وهو الهزيان ، أي جعلوه مهجورا فيه (٧) كقوله (وَالْغَوْا فِيهِ)(٨).
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١))
قوله (وَكَذلِكَ) تعزية للنبي عليهالسلام وإخبار من الأنبياء قبله ، أي كجعلنا لك عدوا من المشركين (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) [٣١] المعنى : أنك كالأنبياء قبلك في
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٢٧٩.
(٢) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٣٤.
(٣) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٣٤.
(٤) نقله المفسر عن البغوي ، ٤ / ٢٣٥.
(٥) رواه الترمذي ، الزهد ، ٤٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٣٥.
(٦) انظر الكشاف ، ٤ / ١٤٧. ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها. روى البخاري في صحيحه (في كتاب فضائل القرآن ، ٢١): «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وروى هذا الحديث أيضا الترمذي في سننه ، فضائل القرآن ، ١٥.
(٧) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٤٧.
(٨) فصلت (٤١) ، ٢٦.