وجب تقدير المضاف ليتحصل به معنى الاستثناء وهو الحال أو متصل فيحمل الكلام على المعنى بأن يجعل (الْمالُ وَالْبَنُونَ) في معنى الغني ، كأنه قيل يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ولأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه ، ويجوز أن يكون «من» مفعولا ل (يَنْفَعُ) ، أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا (١) أتى الله بقلب سليم بأن يصرف المال في الطاعة وبأن يرشد البنين إلى الصلاح فانه ينتفع بهما سليم القلب ، والقلب السليم هو الفارغ عن آفات المعاصي والكفر وفتنة المال والبنين.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣))
ثم قال تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) أي قربت (لِلْمُتَّقِينَ) [٩٠] لأن الجنة تكون (٢) قريبة من موقف السعداء يوم القيامة ينظرون إليها.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي كشفت (لِلْغاوِينَ) [٩١] أي للضالين عن الإسلام ، لأن النار تكون بارزة للأشقياء بمرأى منهم يتحسرون على أنهم يساقون إليها.
(وَقِيلَ) أي يقال (لَهُمْ أَيْنَ ما) أي أين الذي (كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) [٩٢] في الدنيا.
(مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) أي ينفعونكم بنصرهم لكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) [٩٣] أي هل ينفعون أنفسهم بانتظارهم ، لأن العابد والمعبود كلهم وقود النار.
(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨))
(فَكُبْكِبُوا) أي جمعوا (فِيها هُمْ) أي الآلهة (وَالْغاوُونَ) [٩٤] أي العبدة ، يعني يلقون فيها منكبين على رؤوسهم مرة بعد مرة حتى يستقروا في قعرها ، ويدل عليه تكرير الكب وهي الكبكبة.
(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) [٩٥] أي أتباعه العاصون من الناس أو شياطينه من جنسه.
(قالُوا) أي الداخلون فيها ، والواو للحال في (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) [٩٦] أي يخاصم بعضهم بعضا ، ويقول العابدون للمعبودين (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٩٧] أي بين ، قيل : «إن» مخففة (٣) ، أي إنا كنا في ضلالة بينة بعبادتكم ، وقيل : «إن» نافية واللام بمعنى «إلا» (٤).
قوله (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [٩٨] ظرف ل (مُبِينٍ) ، أي إذ نجعلكم مثله في العبادة.
(وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩))
(وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) [٩٩] الذين اقتدينا بهم كإبليس وقابيل القاتل لأخيه ، لأنه أول من سن القتل وعمل بالمعاصي وسائر الشياطين فيومئذ يشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون في أصدقائهم فيقول المشركون تأسفا.
(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
(فَما) أي فليس (لَنا مِنْ شافِعِينَ) [١٠٠] كما نرى للمؤمنين شفعاء من النبيين والملائكة (وَلا) من (صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [١٠١] كما نرى لهم أصدقاء ، والصديق من يهمه ما أهمك بشرط الدين ، والحميم هو القريب الخاص ، وإنما جمع الشافعين ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق ، ويجوز أن يراد ب «الصديق» الجمع ،
__________________
(١) رجلا ، وي : رجل ، ح.
(٢) تكون ، وي : يكون ، ح.
(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٤) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.