فلما يئسوا من الشفاعة قالوا (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ) بالنصب على أن «لو» ههنا بمعنى التمني ، كأنه قيل فليت لنا كرة فأن نكون (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٠٢] أي فنؤمن فيشفع لنا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي لعبرة لعابدي غير الله حيث لا ينفعهم معبودهم بل يتبرأ منهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٠٣] بأنبيائهم.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) لمن كفر (الرَّحِيمُ) [١٠٤] من آمن.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩))
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠))
(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [١٠٥] أي نوحا وإنما جمع ، لأن من كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) في النسب لا في الدين ، وإنما أنث (كَذَّبَتْ) ، لأن القوم مؤنثة وتصغيرها قويمة (أَلا تَتَّقُونَ) [١٠٦] أي اتقوا وآمنوا.
(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [١٠٧] بينكم وبين ربكم (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [١٠٨] فيما أمركم به (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على الإيمان (مِنْ أَجْرٍ) أي جعلا (إِنْ أَجْرِيَ) أي ما جعلي وثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [١٠٩] فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [١١٠] فيما أمركم به ، وكررت لتوكيد التقوى والطاعة في نفوسهم.
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢))
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ) إنكارا (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [١١١] من الرذالة وهي الدناءة والخسة والضعف ، والواو للحال و «قد» بعدها مضمرة ، وإنما سموهم بالأرذلين لاتضاع حرفتهم كالحجامة والحياكة وقلة مالهم ، وهذا لا يضر الإيمان.
(قالَ) نوح (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١١٢] أي وأي شيء علمي بأعمالهم من الصناعات فأزدريهم لأجلها وإنما أطلب منهم الإيمان وإنما قال هذا ، لأنهم قد طعنوا مع استرذالهم (١) في إيمانهم ، أي لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة وإنما آمنوا بهوى وغفلة ، أو المعنى : نفي علمه باخلاصهم (٢) في العمل لله والاطلاع على سر أمرهم ، أي ما على إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم.
(إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦))
(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) أي ما جزاؤهم إلا عليه وإن كان لهم عمل سيء ، لأنه يعلم أسرارهم (لَوْ تَشْعُرُونَ) [١١٣] ذلك ولكنكم تجهلون ، إذ لو علمتم لما عبتموهم.
(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [١١٤] باتباع شهواتكم وتطييب نوسكم بطردهم لصحة إيمانهم عندي (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [١١٥] بلغة تفهمونها وببيان يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن هذه الدعوة (يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [١١٦] أي المقتولين بالحجرة.
(قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١))
(قالَ) نوح داعيا عليهم (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) [١١٧] وهذا ليس باخبار له عن تكذيبهم ، إذ لا يخفى عليه
__________________
(١) طعنوا مع استرذالهم ، ح : طعنوا لاسترذالهم ، ي ، أبغضوا مع استرذالهم ، و؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٧٤.
(٢) باخلاصهم ، ح ي : باصلاحهم ، و.