نصدقك وهو أبلغ من «أم لم تعظ» في قلة اعتدادهم (١) لوعظه ، إذ المعنى سواء علينا وعظك أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه.
(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) [١٣٧] بفتح الخاء وإسكان اللام مصدر ، أي ما خلقنا إلا كخلق من تقدمنا في الموت والحيوة فلا بعث ولا حساب أو الخلق بمعنى الاختلاق ، أي ما هذا الاختلاق والافتراء إلا كاختلاق المتقدمين وافترائهم ، وبضم الخاء واللام أو بسكونه (٢) اسم للعادة ، أي ما هذا الذي نحن عليه من الموت والحيوة إلا عادة الناس لا يزالون عليها في قديم الدهر أو ما هذا الذي نعتقد من الدين إلا عادة الأولين الذين كانوا يدينونها ونحن بهم مقتدون.
(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩))
(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [١٣٨] فَكَذَّبُوهُ) أي هودا (فَأَهْلَكْناهُمْ) بالريح الشديدة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي لعبرة لمن يعمل عمل الجبارين (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٣٩] فلو كان أكثرهم مؤمنين لما أهلكناهم ، والآية تخويف لهذه الأمة كيلا يعملوا عمل هؤلاء.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤))
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥))
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) لمن عصاه (الرَّحِيمُ) [١٤٠] لمن تاب وأطاعه.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [١٤١] أي صالحا ومن قبله من الرسل (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ [١٤٢] إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [١٤٣] فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ [١٤٤] وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٤٥].
(أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨))
قوله (أَتُتْرَكُونَ) إنكار لأن يكنوا مخلدين (فِي ما) أي في الخير الذي هو ثابت (هاهُنا) يعني في الحيوة الدنيا (آمِنِينَ) [١٤٦] من الموت والزوال والعذاب ، وفسر الخير بقوله (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [١٤٧] وَزُرُوعٍ) وهذا أيضا إجمال وتفصيل ، وإنما عطف (وَنَخْلٍ) على (جَنَّاتٍ) مع أن الجنة تعم النخل وغيره تفضيلا له (طَلْعُها هَضِيمٌ) [١٤٨] أي حملها طري ينحل في الفم ويتفتت ، قيل : الطلع ما يطلع ويخرج من النخل كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو (٣) ، وهو من التمر كالعنقود من العنب ووصفه بال (هَضِيمٌ) لأنه يهضم الطعام أو للعطف ، لأن الهضيم هو اللطيف الضامر وطلع أناث النخل فيه لطف وفي طلع ذكوره جفاء وطلع البرني ألطف من طلع اللون ، وقيل : طلع النخل ما يبدو من الكم ، والهضيم اللين النضيج (٤) ، كأنه قال ونخل قد أرطب تمره.
(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢))
(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ) أي تنقبون منها (بُيُوتاً فارِهِينَ) [١٤٩] وقرئ «فارهين» (٥) ، والفراهة النشاط ، أي ناعمين وفرحين.
__________________
(١) اعتدادهم ، ح ي : اعتمادهم ، و؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٧٧.
(٢) «خلق» : قرأ نافع والشامي وعاصم وحمزة وخلف بضم الخاء واللام ، والباقون بفتح الخاء وإسكان اللام. البدور الزاهرة ، ٢٣٢.
(٣) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٤ / ١٧٨.
(٤) وفي هذا الموضوع أقوال كثيرة ، انظر القرطبي ، ١٣ / ١٢٨.
(٥) «فارهين» : قرأ الشامي والكوفيون بألف بعد الفاء ، والباقون بحذفها. البدور الزاهرة ، ٢٣٢.