(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [١٥٠] أي أطيعوا أمري ، فان في طاعة أمري طاعة الله (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) [١٥١] أي المشركين (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي والشرك (وَلا يُصْلِحُونَ) [١٥٢] وهم تسعة رهط منهم لا يوجد منهم صلاح ما ، بل فسادهم فساد مصمت لا خير فيه ، ولهذا ذكره بعد قوله يفسدون.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥))
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) [١٥٣] أي من الذين (١) سحروا مرارا وغلب على عقلهم فوعظهم صالح فلم يؤمنوا وطلبوا آية على صدقه وهي خروج ناقة عشراء من هذه الصخرة فتلد سقبا ، أي ولدا ، وأبدل من جمل (إِنَّما) قوله (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [١٥٤] أنك رسول الله ، فخرج ناقة عشراء كأعظم ما يكون وولدت ولدا مثلها في العظم ، قيل : «كان مصدرها ستين ذراعا» (٢) ، ثم (قالَ) صالح (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) أي نصيب من الماء تشربه وكانت تشرب جميع الماء (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [١٥٥] لا تشرب فيه الماء.
(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦))
(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي بضرر أو بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [١٥٦] أي في يوم عظيم ، وإنما وصف اليوم بالعظم ، لأنه إذا عظم الوقت لحلول العذاب فيه كان موقعه في النفس من العظم أشد ، روي : أن مسطعا رماها بسهم في مضيق في شعب فأصاب رجلها فسقطت ، ثم ضربها قدار (٣) ، وروي أيضا : أن عاقرها قال لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين ، فاستؤذن رجالهم ونساؤهم وصبيانهم فرضوا (٤).
(فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩))
(فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) [١٥٧] على عقرها لا ندامة توبة ، بل ندامة خوف من نزول العذاب بهم أو ندموا عند معاينة العذاب وهو ليس بتوبة.
(فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) المعهود وهو عذاب يوم عظيم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر قوم صالح (مُؤْمِنِينَ) [١٥٨] به.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [١٥٩] بالنقمة والتوبة.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥))
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [١٦٠] إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ [١٦١] إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [١٦٢] فيما بين الله وبينكم من الوحي (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ [١٦٣] وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [١٦٤] أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) [١٦٥] استفهم منهم لوط عليهالسلام استفهام إنكار ، وأراد من (الْعالَمِينَ) الناس ومن الاتيان الفاحشة ، أي أتطئون الذكور من بين أولاد آدم عليهالسلام مع غلبة إناثهم على ذكورهم في الكثرة أو أنتم مختصون بهذه الفاحشة ولا يفعلها غيرهم ، فعلى هذا «العالمون» كل ما ينكح من الحيوان ، أي يطأ.
__________________
(١) أي من الذين ، ح : أي الذين ، وي.
(٢) عن أبي موسى ، انظر الكشاف ، ٤ / ١٧٨.
(٣) نقله عن الكشاف ، ٤ / ١٧٨.
(٤) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٤ / ١٧٩.