(وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨))
(وَتَذَرُونَ) أي تتركون (ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ) قوله (مِنْ أَزْواجِكُمْ) تبيين لما خلق لكم أو تبعيض فيراد بما خلق لكم العضو المباح منهن ، وهو محل الحرث ، لأنهم كانوا يفعلون هذا الفعل أيضا من نسائهم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [١٦٦] أي متجاوزون الحلال إلى الحرام وهذا الفعل منه.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن الإنكار علينا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [١٦٧] من قريتنا.
(قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) [١٦٨] أي المبغضين ، والقلى البغض الشديد وهو صفة لخبر محذوف ل «إن» ، أي إني لعملكم ، قال (١) من القالين ولو جعل هذا خبر العمل (الْقالِينَ) في (لِعَمَلِكُمْ) فلزم تقديم الصلة على الموصول.
(رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣))
(رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) [١٦٩] من الفواحش (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) [١٧٠] من العذاب (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) [١٧١] أي الباقين في العذاب وهو صفة ل (عَجُوزاً) وهي امرأته ، أي إلا عجوزا مقدرا غبورها مع قومها ، وإنما استثناها لأنها كانت معينة على الفواحش راضية بها والمستثنى منه هو الأهل ، لأن الزوجة من الأهل (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) [١٧٢] أي أهلكناهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) أي على شذاذهم ، وهم الذين كانوا خارجين من بلادهم حين ائتفكت بهم (مَطَراً) أي حجارة من السماء (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) [١٧٣] أجمعين ولم يرد قوما بأعيانهم ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي مطرهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥) كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦))
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٧٤] بلوط (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [١٧٥] كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) [١٧٦] «الأيكة» علم لبلد أو شجر ، روي : أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وهو شجر الدوم (٢) ، وقرئ «ليكة» بلا ألف ولام (٣) ، فمن قرأ «ليكة» أراد بها البلد فلا ينصرف للتعريف والتأنيث.
(إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨))
قوله (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [١٧٧] ظرف لقوله «كذب» ، قيل : لم يكن شعيب من أصحاب الأيكة ، ولذا لم يقل أخوهم بل كان من أصحاب مدين (٤) ، عن النبي عليهالسلام : «ان شعيبا أخا مدين أرسل إلى مدين وإلى أصحاب الأيكة» (٥) ، ولذا قال في موضع آخر (إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)(٦) ، وكان أصحاب الأيكة يطففون فأمرهم بتقوى الله وإطاعة نفسه ، ونهاهم عن التطفيف بقوله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [١٧٨] بينكم وبين ربكم.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢))
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ [١٧٩] وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [١٨٠] أَوْفُوا الْكَيْلَ) أي
__________________
(١) قال ، ح و : لقال ، ي.
(٢) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٤ / ١٨١.
(٣) «الأيكة» : قرأ المدنيان والمكي والشامي «ليكة» بلام مفتوحة من غير همز قبلها ولا بعدها ونصب التاء ، والباقون باسكان اللام وهمزة وصل قبلها وهمزة قطع مفتوحة بعدها وجر التاء ، وحمزة على أصله وصلا ووقفا. البدور الزاهرة ، ٢٣٢ ـ ٢٣٣.
(٤) اختصره من البغوي ، ٤ / ٢٧٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٨٢.
(٥) انظر الكشاف ، ٤ / ١٨١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٦) الأعراف (٧) ، ٨٥ ؛ هود (١١) ، ٨٤ ؛ العنكبوت (٢٩) ، ٣٦.