أتموه (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) [١٨١] أي الناقصين الكيل والوزن عند الأخذ والعطاء.
(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [١٨٢] بكسر القاف وضمه (١) ، أي بميزان العدل.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤))
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي حقوقهم ، والبخس النقص بالظلم وهو يدل على أن أصحاب الأيكة أهل مدين ، لأنه قال فيهم كما قال هنا (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [١٨٣] أي لا تسعوا فيها بالمعاصي ، والعثي هو الفساد والهلاك وكذا العيث ، يقال عثي وعاث ، أي فسد وهو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزرع.
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) [١٨٤] هي الخلقة ، أي ذوي الجبلة ، يعني اتقوا الذي خلقكم وخلق من تقدمكم.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦))
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [١٨٥] وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فاثبتوا له شيئين كلاهما مناف للرسالة عندهم ، أحدهما التسحير والآخر البشرية ، وقصدوا أن الرسول لا يجوز أن يكون مسحرا ولا بشرا ، وقالوا (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) [١٨٦] أي ما نظنك إلا من الكاذبين ، ويجوز أن كون «إن» مخففة دخلت في فعل الظن الذي يدخل على المبتدأ والخبر واللام في ثاني مفعوليه لكونه خبرا في المعنى.
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨))
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) بالسكون والحركة (٢) جمع كسفة وهي القطعة (مِنَ السَّماءِ) أي السحاب ، والمراد العقوبة (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [١٨٧] أنك نبي فادع ربك أن يسقط علينا كسفا من السماء.
(قالَ) شعيب (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) [١٨٨] أي إليه الحكم والمشية وهو أعلم بعملكم من نقصان الكيل والوزن وبما تستحقون من العقاب إن يرد يسقطه وإن يرد يعذبكم بعذاب آخر.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١))
(فَكَذَّبُوهُ) أي شعيبا بالعذاب (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وهو ان أصابهم حر شديد بستة أيام متوالية فأخذهم بأنفاسهم حيث لم ينفعهم ظل ولا ماء ، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة فدخلوا تحتها ، لأنهم وجدوا فيها بردا ونسيما ، فأمطرت عليهم نارا محرقة فاحترقوا بها (إِنَّهُ) أي إن عذاب يوم الظلة (كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [١٨٩] إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لمن نقص في الكيل والوزن (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٩٠] به.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [١٩١] أي للعاصي والمطيع وإنما كرر هذه القصص في القرآن تقريرا للمعاني في النفوس وتثبيتا لها في الصدور ، لأنه أثبت للذكر وأبعد للنسيان وليكون أبلغ في الوعظ والزجر.
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤))
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٩٢] أي إن القرآن لمنزل (٣) إله الخلق كلهم.
__________________
(١) «بالقسطاس» : كسر القاف حفص والأخوان وخلف ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٢) «كسفا» : فتح السين حفص ، وأسكنها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٣) لمنزل ، ح ي : لتنزل ، و.