(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [١٩٣] أي جبريل ، لأنه أمين على الوحي وهو بالرفع فاعل (نَزَلَ) على قراءة التخفيف ، وقرئ «نزل» مشددا ونصب «الروح» (١) ، ومعناه : جعل الله الروح الأمين نازلا به ، ومحل الجملة نصب على الحال.
(عَلى قَلْبِكَ) أي على قدر قلبك حفظا وفهما ، يعني حفظه قلبك وفهمك إياه على مرادك وأثبته فيك إثبات ما لا ينسى (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [١٩٤] أي المخوفين.
(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦))
(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [١٩٥] قيل : إن علقت الباء في (بِلِسانٍ) ب (الْمُنْذِرِينَ) كان المعنى من الذين أنذروا بهذا اللسان وهو لغة قريش وهم خمسة ، هو وصالح وشعيب وإسمعيل ومحمد عليهم الصلوة والسّلام أجمعين ، وإن علقت الباء فيه ب «نزل» كان معناه نزله بلغة العرب لتنذر به ، ولو نزله بلغة العجم لقالوا كيف نؤمن بما لا نفهمه ، وتعذر الإنذار به ، لأن الرجل إذا كلم بلغة لقنها أولا ونشأ عليها كان قلبه متوجها إلى معاني الكلام دون ألفاظه ، وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان عارفا بها كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها ، فهذا تقرير قوله «نزل به على قلبك» (٢).
(وَإِنَّهُ) أي ذكر القرآن (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [١٩٦] أي لمثبت في كتبهم وهم الأنبياء قبلك.
(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧))
قوله (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) بالرفع ، فيجوز أن يكون (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدلا من (آيَةً) إذا كان «كان» تامة و (آيَةً) فاعلها أو هي الناقصة واسمها ضمير الشأن ، و (آيَةً) مبتدأ خيره (أَنْ يَعْلَمَهُ) ، أي القرآن أو محمدا صلىاللهعليهوسلم وهما خبر «كان» ، هذا إذا قرئ «لو لم تكن» بالتاء مؤنثا ولو قرئ بالياء مذكرا فنصب «آية» (٣) خبر «كان» واسمها (أَنْ يَعْلَمَهُ) ، نزل حين أرسلوا إلى يهود المدينة رسولا يسألهم عن نعت النبي عليهالسلام ، فقال هذا زمان خروجه ونعته كذا (٤) ، فقال تعالى بالاستفهام للتقرير أيشكون (٥) فيه ولم يكن لهم علامة أن يعلمه (عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) [١٩٧] ابن سلام وأصحابه كانوا يخبرون بنعت (٦) النبي عليهالسلام في كتبهم وكان أخبارهم أية على صدقه.
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨))
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) [١٩٨] جمع أعجم ، وهو الذي لا يفصح ، أي لا يبين الكلام بعجمة في لسانه ، والأعجمي مثله والياء فيه لزيادة التأكيد وهو ياء النسبة ، أي لو نزلناه على غير عربي اللسان.
(فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩))
(فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) أي على العرب ، وجواب «لو» (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) [١٩٩] لعدم فهمهم كلامه ولا نفوا من اتباعه ، فلذا لم يفعل الله ذلك ، قيل : هذا منة من الله حيث كلمهم بلغتهم ليفهموه فيؤمنوا به (٧).
(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١))
(كَذلِكَ سَلَكْناهُ) أي مثل ذلك السلك الذي وضعناه على الأعجمين من تنزيل القرآن عليهم فرضا ومن
__________________
(١) «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ» : قرأ المدنيان والمكي والبصري وحفص بتخفيف الزاي ورفع الحاء من «الروح» والنون «الأمين» ، والباقون بتشديد الزاي ونصب الحاء والنون. البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٢) نقل المصنف هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ١٨٣.
(٣) «أو لم يكن اية» : قرأ الشامي بتاء التأنيث في «يكن» ورفع التاء في «آية» ، والباقون بياء التذكير ونصب «آية». البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٤) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٧٦.
(٥) أيشكون ، و : أيشكوا ، ح ، أشكوا ، ي.
(٦) بنعت ، ح و : ببعث ، ي.
(٧) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٤٨٤.