ويا صفية عمة محمد اشترين أنفسكن من النار ، فاني لا أغني عنكن من الله شيئا» (١).
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦))
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أي ألن جانبك وتواضع (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٢١٥] الذين يشارفون الدخول في الإيمان أو المؤمنين باللسان مطلقا بعد الإنذار عشيرتك وغيرهم (فَإِنْ عَصَوْكَ) أي خالفك الأقربين ولم يتبعوك (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [٢١٦] من الشرك (٢) وغيره من المعاصي ، فالفاء للجزاء.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨))
قرئ بالواو عطفا على الجزاء وبالفاء (٣) بدلا عنه قوله (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) [٢١٧] أي ثق به وفوض أمرك إليه فانه يكفيك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم ، والتوكل تفويض الرجل أمره إلى مالك الأمور كلها القادر على النفع والضر ، والعزيز هو القادر للأعداء ، والرحيم هو الناصر للأولياء برحمته و (الَّذِي يَراكَ) وصف واتباع للرحيم بما هو سبب الرحمة ، وهو ذكر ما يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد ، أي الذي يراك (حِينَ تَقُومُ) [٢١٨] متهجدا أو إلى جميع مهامك.
(وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠))
(وَ) يري (تَقَلُّبَكَ) من قيام وركوع وسجود (فِي السَّاجِدِينَ) [٢١٩] أي المصلين إذا كنت إماما لهم في الصلوة أو المراد ب (السَّاجِدِينَ) وتقلبه فيهم المتهجدون من أصحابه وتصفح أحوالهم ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون كيف يعبدون الله وكيف يعملون لآخرتهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) بقولك (الْعَلِيمُ) [٢٢٠] بفعلك ونيتك.
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢))
قوله (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) [٢٢١] نزل حين قالوا أن الشياطين تلقي السمع على محمد (٤) ، و «من» كلمة تضمنت الاستفهام ودخل عليها حرف الجر ، وحق الاستفهام أن يصدر في الكلام فيقال أعلى زيد مررت ولا يقال على أزيد مررت ، ولكن تضمنته ليس بمعنى أنه اسم فيه معنى الحرف ، بل معناه : أن الأصل أمن ، فحذف حرف الاستفهام واستعمل على حذفه كما يقال في «هل» أصله أهل ، ومعناه : أقد فاذا دخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك ، كأنك تقول أعلى من تنزل (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [٢٢٢] أي كذاب فاجر ، وهم الكهنة الذين كانت تسترق الجن السمع فتلقيه إليهم.
(يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣))
(يُلْقُونَ السَّمْعَ) أي يقذف الجن إلى الكهنة ما يستمعون عن استراق السمع وهو في محل النصب على الحال أو في محل الجر صفة لكل أفاك ، لأنه في معنى الجمع ، ويجوز أن يكون مستأنفا ، أي هم يلقون السمع (وَأَكْثَرُهُمْ) أي الكهنة أو الشياطين (كاذِبُونَ) [٢٢٣] لأنهم يخلطون معه كذبا كثيرا ، عن النبي عليهالسلام : «الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة» (٥) ، وإنما قال «أكثرهم» لأن البعض قد يصدق.
__________________
(١) أخرج البخاري نحوه ، الوصايا ، ١١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٨٦.
(٢) من الشرك ، ح و : ـ ي.
(٣) «وَتَوَكَّلْ» : قرأ المدنيان والشامي بالفاء ، وغيرهم بالواو. البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٥) رواه مسلم ، السّلام ، ١٢٢ ، ١٢٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٨٧.