(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤))
قوله (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [٢٢٤] بالتخفيف والتشديد (١) ، نزل فيمن كان يقول الشعر ويقول نحن نقول كما يقول محمد (٢) ، واتبعهم غواة على ذلك والغاوون هم المشركون أو الشياطين أو السفهاء والشطار ، وهم شعراء قريش مثل عبد الله بن الزبعري وأبو عزة الجمحي ومسافع بن عبد مناف ، كانوا يهجعون النبي صلىاللهعليهوسلم ويجتمع الأعراب من قومهم عليهم لاستماع أشعارهم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من أودية الكلام وفنونه (يَهِيمُونَ) [٢٢٥] من هام الرجل أو البعير إذا ذهب على وجهه لا يدري أين يذهب ، أي يمضون عن الحد مدحوا أو هجوا ، لأنهم لقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق يفضلون أجبن الناس وأبخلهم ويهجون أشرف الناس وأجودهم.
(وَأَنَّهُمْ) أي أن الشعراء (٣)(يَقُولُونَ) في أشعارهم فعلنا وصنعنا (ما لا يَفْعَلُونَ) [٢٢٦] ونفعل ونصنع تخرصا وكذبا.
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧))
قوله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) نزل حين نزل (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) لاستثناء المؤمنين منهم كحسان وابن رواحة وكان غالب شعرهم توحيدا (٤) ، وذكر الله فقالوا يا رسول الله قد نزلت هذه الآية والله يعلم أنا شعراء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وإن الذي ترمونهم به نضح النبل» (٥) ، وكان يقول لحسان : «قل وروح القدس معك» (٦) ، أي ناصرك إلا الذين صدقوا الله ورسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالإخلاص (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) في جميع الأحوال أو في أشعارهم من توحيده وثنائه وتنزيهه وحكمته وموعظته ومدح أنبيائه وأوليائه (وَانْتَصَرُوا) أي هجوا الكفار اقتصاصا (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي هجوا ، لأن الكفار بدؤوهم بالهجا ، ولا شك أن الشعر كلام فحسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه ، ولا بأس الشعر بما هو الحق مدحا كان أو ذما ، ثم أوعد شعراء الكفار وهددهم بما هم أهيب وأهول فقال (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [٢٢٧] أي أي مرجع يرجعون مع الخسران إلى النار ، فان فيه وعيدا بليغا للمتأملين بقوله (سَيَعْلَمُ) وبقوله (ظُلِمُوا) وإطلاقه ، وبقوله (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وبابهامه ، وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويخافون شدتها ، قوله (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) صفة مصدر محذوف منصوب بفعل بعده لا ب «يعلم» لأنه استفهام ، تقديره : ينقلبون انقلابا أي منقلب ، قالوا : إن من عمل سيئة فهو من الذين ظلموا ، وتفسير الظلم بالكفر ليس بتحقيق ، لأنه يفضي إلى أمن الظالم وزيادة ظلمه.
__________________
(١) «يتبعهم» : قرأ نافع باسكان التاء وفتح الباء ، وغيره بتشديد التاء مفتوحة وكسر الباء. البدور الزاهرة ، ٢٣٣.
(٢) اختصره المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٢٨٢.
(٣) أي أن الشعراء ، و : أي الشعراء ، ح ي.
(٤) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٢٨٣.
(٥) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٦ / ٣٨٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٨٣.
(٦) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ٢٩٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٨٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ١٨٨.