يئسون يوم القيامة ، لأنهم كافرون بالله وينبغي للمؤمن أن يكون راجيا لله خائفا على كل حال ، قالوا إن جعلت قوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) إلى قوله (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٢٣] من كلام إبراهيم فالمراد من الأمم قبلهم قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم ويكون قوله (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) من كلام الله تعالى ، حكاه إبراهيم عليهالسلام لقوله ، وإن جعلت هذه الآيات إنذارا لقريش فهي اعتراض في قصة إبراهيم لإرادة التنفيس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والتسلية له بأن إبراهيم خليل الله كان مبتلا بنحو ما ابتلى به رسوله من شرك قومه وعبادتهم الأوثان فاعترض بقوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) يا معشر قريش محمدا فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها.
ثم عقبها سائر الآيات لبيان التوحيد ودلائله وهدم الشرك وتوهين قواعده وصفة قدرة الله وسلطانه ووضوح حجته وبرهانه.
ثم رجع من هذا الاعتراض إلى جواب قوم إبراهيم في حقه بقوله (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أي ما أجاب قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الإيمان (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي قال بعضهم لبعض أو قال واحد منهم ورضي الباقون به ، فكأنهم قالوا جميعا (اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) فلم تحرقه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنجائه من تلك النار (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٢٤] بالله توحيده ، روي : أنه لم ينتفع الناس في ذلك اليوم الذي ألقي إبراهيم في النار بالنار التي عندهم وذلك لذهاب حرها (١).
(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥))
(وَقالَ) إبراهيم (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) بنصب (مَوَدَّةَ) وإضافتها إلى «بين» على الاتساع ، أي إنما اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف ، فنصب (مَوَدَّةَ) مع الإضافة وغيرها مفعول ثان ل «اتخذ» ، و «ما» كافة أو مفعول له ، أي لتوادوا فمن نون ال (مَوَدَّةَ) نصب (بَيْنِكُمْ) على الظرفية ، وقرئ بالرفع (٢) ، لأنه خبر «إن» بمعنى المفعول واسمها «ما» بمعنى الذي والعائد محذوف و (أَوْثاناً) مفعول ثان أو حال ، أي إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة ، أي مودود بينكم أو هي خبر مبتدأ محذوف ، أي هي مودة تتوادون لها وتتواصلون (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) أي تتبرأ (٣) الأصنام والرؤساء من عابديها وأتباعها (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي الأتباع الرؤساء (وَمَأْواكُمُ) أي مقركم (النَّارُ) أيها العابد والمعبود والتابع والمتبوع (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [٢٥] بالشفاعة أو القوة يوم القيامة.
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦))
(فَآمَنَ لَهُ) أي لإبراهيم (لُوطٌ) لما رأى النار لم تحرقه وهو أول من آمن به (٤) ، وكان لوط ابن أخت إبراهيم (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ) من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ، ثم منها إلى فلسطين من الشام (٥) وهو أول من هاجر ومعه لوط وسارة ، وهاجر وهو ابن خمس وستين سنة أو سبعين ، ومن ثم قالوا لكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان (إِلى رَبِّي) أي إلى حيث أمرني بالهجرة إليه أو مهاجر إلى ربي بقهر النفس وحسن الطاعة (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ)(٦) الذي يمنعني من عدوي (الْحَكِيمُ) [٢٦] الذي لا يأمرني إلا بما هو مصلحتي.
__________________
(١) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٥.
(٢) «مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ» : قرأ المكي والبصري ورويس والكسائي برفع تاء «مودة» من غير تنوين وجر نون «بينكم» ، وقرأ حفص وحمزة وروح بنصب «مودة» من غير تنوين وجر «بينكم» ، والباقون بنصب «مودة» وتنوينه ونصب «بينكم». البدور الزاهرة ، ٢٤٤.
(٣) تتبرأ ، ح و : يتبرأ ، ي.
(٤) آمن به ، ح ي : آمن ، و.
(٥) الشام ، وي : شام ، ح.
(٦) أي ، + ح.