الكفر والمعصية (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [١٦] ذلك فتومنون.
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧))
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي ما تعبدون من دونه إلا (أَوْثاناً) أي أصناما (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي تختلقون كذبا وهو تسميتهم الأوثان الهة وشركاء لله (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) أي لا يقدرون أن يعطوكم رزقا قليلا (فَابْتَغُوا) أي اطلبوا (عِنْدَ اللهِ) أي من الله (الرِّزْقَ) أي جميع الرزق ، لأنه هو الرزاق وحده (وَاعْبُدُوهُ) أي وحدوه (وَاشْكُرُوا لَهُ) فيما ينعم عليكم من الرزق (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [١٧] أي إلى الله مصيركم بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم.
(وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))
(وَإِنْ تُكَذِّبُوا) رسولي (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) رسلهم فأهلكتهم فكان ضرر تكذيبهم الرسل لأنفسهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [١٨] أي البلاغ الذي ظهر صدقه وزال معه الشك باقترانه بآيات الله ومعجزاته.
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظروا ولم يروا ، يعني كفار مكة (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) يخلقه ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم شخصا سويا ثم يميته (ثُمَّ يُعِيدُهُ) حيا وقت البعث وهو معطوف على جملة قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ) ، لأنه في معنى تحقق أن الله يبدئ الخلق لأن الاستفهام التقريري خبر في الحقيقة (إِنَّ ذلِكَ) أي البدء والإعادة بعد الموت (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [١٩] قُلْ) يا محمد لأهل مكة (سِيرُوا) أي سافروا (فِي الْأَرْضِ) لتعتبروا أمر البعث (فَانْظُرُوا) أي فاعتبروا (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أي خلقه ابتداء على غير مثال (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بالمد والقصر (١) ، أي البعث للجزاء ، وإنما أظهر الله فيه بعد إضماره في بدء الخلق للتنبيه على أن الذي علموه بادئ الخلق باسم الله هو معيدهم المسمى بالله لا يعجزه شيء (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أمر البعث وغيره (قَدِيرٌ) [٢٠] المعنى : إذا قدر على بدء الخلق أو لا فهو على إنشائه وإحيائه بعد الموت أقدر.
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١))
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) بالكفر وبسيئات (٢) الأمر (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) بالإيمان وجمع الشمل كما يشاء (٣) لا معترض ولا مفترض عليه تعالى (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [٢١] أي تردون فيجازيكم بأعمالكم.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢))
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي فائتين من الله وحكمه وإن هربتم منه (فِي الْأَرْضِ) الفسيحة (وَلا فِي السَّماءِ) التي هي أفسح من الأرض وأبسط لو كنتم فيها ، يعني لا مخلص لكم من الله أينما تكونوا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من دون عذابه (مِنْ وَلِيٍّ) أي من قريب (وَلا نَصِيرٍ) [٢٢] أي مانع يمنعكم من عذابه.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤))
قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي القرآن (وَلِقائِهِ) أي البعث (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) وعيد لهم ، أي
__________________
(١) «النشأة» : قرأ المكي والبصري بفتح الشين وألف بعدها ، والباقون باسكان الشين وحذف الألف. البدور الزاهرة ، ٢٤٤.
(٢) بسيئات ، ح : سيئات ، وي.
(٣) كما يشاء ، ح ي : ـ و.