(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أبو سفيان وأصحابه (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي لعمر بن الخطاب وأصحابه (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي ديننا (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي لنرفع عنكم إثم خطاياكم يوم القيامة ، وهو أمر معطوف على (اتَّبِعُوا) ، وقيل : هو بمعنى الجزاء للشرط معنى ، أي إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم (١) ، فقال تعالى (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) وهو مفعول «الحامل» بزيادة (مِنْ) و (مِنْ خَطاياهُمْ) حال من (شَيْءٍ) تقدم عليه لتنكره ، وهذا طريق بعض الجهلة حتى يقول لمثله أفعل هذا وإثمه في عنقي (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١٢] فيما يزعمون من قولهم إنا وأنتم لا نبعث ولئن بعثنا لنحملن آثامكم عنكم ، وقيل : هذا قول صناديد قريش لأتباعهم (٢) ، وإنما سماهم كاذبين مع أنه إنشاء الضمان وليس باخبار لأنهم يعلمون أنهم لا يقدرون على ذلك فهو إخبار في المعنى على خلاف الواقع ، ففيه تشبيه حال ضمانهم مع علمهم بعدم الوفاء بالكذب الذي هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه.
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣))
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي أوزارهم بسبب كفرهم ومعاصيهم (وَأَثْقالاً) من أوزار أتباعهم الذين كانوا سببا في ضلالتهم (مَعَ أَثْقالِهِمْ) غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها لأن المؤمنين لم يقبلوا هذا القول منهم ولم يعملوا تلك الخطايا ، فكيف يتصور حملها منهم (وَلَيُسْئَلُنَّ) سؤال توبيخ (يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [١٣] أي يختلقون من الأباطيل على الله.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤))
ثم ذكر قصة نوح عليهالسلام وطول مصابرته مع ذكر سائر الأنبياء بعده ومصابرتهم على أذى قومهم تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) للدعوة إلى الإيمان (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) ينذرهم ويخوفهم لا يلتفتون إليه ، وكان عمره ألفا وخمسين سنة وبعث على رأس أربعين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة ، وإنما لم يقل تسع مائة وخمسين عاما ليكون ذكر ال «ألف» أولا أفخم في أذن السامعين ، ثم أخرج منها الخمسين إيضاحا لمجموع العدد وتكميله لتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره ، وذكر ال (سَنَةٍ) أولا وال «عام» ثانيا للمميز فرارا من تكرير اللفظ الواحد في البلاغة لا لغرض للمتكلم ، والفاء للتسبب (٣) في قوله (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) وهو الماء الكثير الذي أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل ، أي وعظهم ولم يتعظوا فاستحقوا الأخذ بالطوفان المحيط بالماء ، ويطلق الطوفان على الظلام المحيط والقتل الذريع والموت الكثير أيضا ، قوله (وَهُمْ ظالِمُونَ) [١٤] أي والحال أنهم مشركون بيان سبب أخذهم الطوفان ، فان نوحا لما نصحهم في هذه المدة وهم يؤذونه أذن له في الدعاء عليهم فغرقوا بالطوفان بسبب ظلمهم لأنفسهم.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥))
(فَأَنْجَيْناهُ) أي نوحا من الطوفان (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) قيل : كانوا ثمانية وسبعين نفسا ، نصفهم ذكور ونصفهم إناث ، منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم (٤)(وَجَعَلْناها) أي السفينة أو الواقعة (آيَةً لِلْعالَمِينَ) [١٥] أي عبرة لهم ، يعني لمن رآها ولمن لم يرها بسماع خبرها.
(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦))
(وَإِبْراهِيمَ) أي اذكر إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ) أي العمل بالتقوى (خَيْرٌ لَكُمْ) من
__________________
(١) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٤٢.
(٢) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٢.
(٣) للتسبب ، ح ي : للتسبيب ، و.
(٤) هذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٣.