إهلاكها (١) بظلمهم اعترض عليهم بأن فيها من هو بريء من الظلم إظهارا للشفقة عليه والتحزن لأخيه المؤمن (قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) أي أعلم منك بحال لوط وحال قومه وامتيازه منهم (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٣٢] أي الباقين في الهلاك.
(وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣))
(وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) «أن» زائدة بعد «لما» لتأكيد وجود الفعلين بترتب وجود أحدهما على الآخر في وقتين مجاورين لا فاصل بينهما (سِيءَ بِهِمْ) أي اغتم غما شديدا عقيب إحساسه لمجيئهم ، لأنه لم يعرف أنهم ملائكة خوفا أن يتعرض قومه بهم بالفاحشة (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي قصر ذراعه عن تحمل ما لا يطاق ، وهو مثل في العجز عن فعل شيء (وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٣٣] أي الهالكين (٢).
(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤))
(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) أي عذابا (مِنَ السَّماءِ) وهو الحجارة من ارتجز إذا اضطرب لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [٣٤] أي بعصيانهم أمر الله تعالى ، قرئ «لننجينه» (٣) و «منجوك» (٤) و «منزلون» (٥) بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد.
(وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥))
(وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها) أي من قرى لوط (آيَةً بَيِّنَةً) أي علامة ظاهرة يعتبر بها وهي آثار منازلهم الخربة أو بقية الحجارة التي أدركها أوائل هذه الأمة ، وقيل : ظهور الماء الأسود على وجه الأرض (٦) حين خسف بهم (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [٣٥] أي تركنا لقوم ذوي عقل يعتبرون به.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦))
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي أرسلناه نبيا إليها (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي افعلوا ما ترجون به العاقبة ، وقيل : الرجاء بمعنى الخوف (٧)(وَلا تَعْثَوْا) أي لا تعملوا الفساد (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [٣٦] بنقص الكيل والوزن كيلا تعذبوا.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧))
(فَكَذَّبُوهُ) أي شعيبا في خبره (٨) العذاب (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة الشديدة أو صيحة جبرائيل لأن القلوب ترجف لها (فَأَصْبَحُوا) أي صاروا (فِي دارِهِمْ) أي في بلدهم وأرضهم (جاثِمِينَ) [٣٧] أي باركين على الركب ميتين.
(وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا
__________________
(١) إهلاكها ، ح ي : إهلاكهم ، و.
(٢) أي الهالكين ، وي : أي هالكين ، ح.
(٣) «لننجينه» : قرأ الأخوان ويعقوب وخلف باسكان النون الثانية وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.
(٤) «منجوك» : قرأ المكي وشعبة والأخوان ويعقوب وخلف بالتخفيف ، وغيرهم بالتشديد. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.
(٥) «منزلون» : قرأ الشامي بفتح النون وتشديد الزاي ، وغيره باسكان النون وتخفيف الزاي. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.
(٦) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٧٥.
(٧) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٧.
(٨) في خبره ، ح و : في خبر ، ي.