مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨))
(وَعاداً وَثَمُودَ) أي أهلكناهما يدل عليه قوله (١) «فأخذتهم الرجفة» (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) أي ظهر لكم يا كفار مكة نزول العذاب عليهم (مِنْ مَساكِنِهِمْ) إذا نظرتم إليها في أسفاركم ، يعني ظهر لكم آية في هلاكهم فاتقوا الله من عذابه ولا تشركوا به شيئا (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي ضلالتهم (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي صرفهم عن الدين (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [٣٨] أي والحال أن عادا وثمود وقومهما كانوا ذوي بصيرة عقلاء متمكنين من النظر والافتكار ، ولكنهم لم يفعلوا بل جحدوا فهلكوا أو كانوا مستبصرين معجزين في نفوسهم بدينهم ويحسبون أنهم مهتدون وهم مبطلون.
(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩))
(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) أي أهلكناهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالعلامات الواضحة (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) عن الإيمان (وَما كانُوا سابِقِينَ) [٣٩] أي فائتين عذابنا ، لأن أمرنا أدركهم فلم يفوتوه.
(فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))
(فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) لا بذنب غيره ، نصب ب (أَخَذْنا) مقدرة قبله (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) يعني قوم لوط وهي ريح عاصف فيها حصباء ، أي حجارة ، وقيل : ملك كان يرميهم بها (٢)(وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهي كانت لمدين وثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) والخسف كان لقارون وأتباعه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) والغرق كان لقوم (٣) نوح وفرعون (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي لم يعذبهم بلا جرم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [٤٠] بجرمهم ليستوجبوا العقوبة.
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))
قوله (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ)(٤) مثل للأصنام وعابديها ، شبه الأصنام ببيت العنكبوت وحال عابديها ، وهي اتخاذهم عبادة الأصنام معتمدا عليه في دينهم بحال العنكبوت في الوهن وضعف القوة وهي نسجها وعدم النفع ، أي كما لا ينفع العنكبوت بيتها من حر وبرد لا ينفع عابدي الأصنام تلك ثم ، قوله (اتَّخَذَتْ بَيْتاً) نصب على الحال من (الْعَنْكَبُوتِ) ، ويجوز أن يكون وصفا لها بزيادة الألف واللام فيها ، وليس المراد تشبيه ذواتهم بالعنكبوت بدليل (٥) مقطع التشبيه بعده ، وهو قوله (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فلو أريد تشبيه الذوات لقال (٦) وإن أوهن الحيوانات لنفس العنكبوت (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [٤١] الظاهر أنه نفي لعلمهم أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت مع أن كل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت ، ولكن في الحقيقة نفي لمعلومهم في زعمهم أن دينهم خير الأديان ، أي إذا صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت فقد ظهر أن دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون ذلك ، وقيل : معناه لا يعلمون أن هذا الاتخاذ مثلهم (٧).
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢))
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ) بالياء وبتاء الخطاب باضمار القول (٨) ، أي قل لهم إن الذي تعبدونه (مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله (مِنْ شَيْءٍ) بيان ل «ما» وهو الآلهة ، أي الله مطلع عليكم وعلى أعمالكم فيجازيكم ، وفيه تهديد
__________________
(١) قوله ، ح : ـ وي.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٨.
(٣) لقوم ، ح و : بقوم ، ي.
(٤) أي ، + ح.
(٥) ذكر ، + وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٤٨.
(٦) لقال ، وي : ليقال ، ح.
(٧) لعل المفسر اختصر هذا المعنى من القرطبي ، ١٣ / ٣٤٥.
(٨) «يدعون» : قرأ عاصم والبصريان بالياء التحتية ، وغيرهم بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.