(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩))
(وَإِنْ كانُوا) أي الخلق (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر ، قوله (مِنْ قَبْلِهِ) من باب التأكيد وهو الدلالة على بعد عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم منه فكان استبشارهم على قدر اغتمامهم بذلك ، قوله (لَمُبْلِسِينَ) [٤٩] خبر «كان» ، أي آيسين.
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠))
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) جمع الأثر ، وقرئ به (١) ، أي انظر إلى تأثيرات المطر نظر عبرة (كَيْفَ يُحْيِ) الله (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يبسها (إِنَّ ذلِكَ) أي محييها بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) للجزاء وهو الله تعالى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٥٠] أي هو قادر على كل مقدور من الإنشاء والإعادة.
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١))
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا) اللام لتوطئة القسم دخلت على حرف الشرط ، أي والله لئن أرسلنا على زرعهم (رِيحاً) فأفسدته (فَرَأَوْهُ) أي الزرع (مُصْفَرًّا) بعد خضرته (٢)(لَظَلُّوا) جواب القسم والشرط ، أي لصاروا (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد اصفراره (يَكْفُرُونَ) [٥١] بالله وبنعمته ، المعنى : أنهم يفرحون عند السعة ويكفرون عند الضيق ، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله على كل حال فيشكروه على نعمته ويصبروا على بلائه.
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢))
(فَإِنَّكَ) يا محمد (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي الكفار الذين هم كالموتى إذا دعوتهم إلى الإيمان (وَلا تُسْمِعُ) أيضا (الصُّمَّ الدُّعاءَ) إليه وهم الذين يتصاممون عن سماع الدعاء (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [٥٢] أي إذا أعرضوا عن الحق مكذبين.
(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))
(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ) أي الذين عميت بصائرهم عن آياتنا ، يعني لا يرشدهم إلا (٣) بالتوفيق (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي عن طريق الضلالة إلى طريق الهدى وهو الإيمان والطاعة والله يهدي ، أي يوفق من يشاء ولكن عليك الدعاء إلى الهدى (إِنْ) أي ما (تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ) أي من يصدق (٤)(بِآياتِنا) أي القرآن (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) [٥٣] أي مخلصون في إيمانهم به.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤))
ثم دل على قدرته بأظهر الدليل فقال (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) بالضم والفتح (٥) ، أي من ذي ضعف وهو النطفة إلى ضعف الطفولة أو المراد من حال الطفولة إلى الاحتلام (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) أي بعد ضعف الطفولة قوة الشباب إلى الاكتهال (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) أي قوة الشباب (ضَعْفاً وَشَيْبَةً) أي ضعف الشيخوخة (٦) والهرم وهذا الترديد في الأحوال المختلفة أعدل شاهد على الصانع الكامل بالعلم والقدرة (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من الدواب والصور كما يشاء (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بخلقه (الْقَدِيرُ) [٥٤] بتحويله من حال إلى حال.
__________________
(١) «آثار» : قرأ الشامي والأخوان وخلف وحفص بألف بعد الهمزة وألف بعد الثاء على الجمع ، والباقون بحذف الألفين على الإفراد. البدور الزاهرة ، ٢٤٩.
(٢) خضرته ، ح ي : حضرته ، و.
(٣) إلا ، ح : ـ وي.
(٤) أي من يصدق ، و : أي يصدق ، ح ي.
(٥) «ضعف» : قرأ حمزة وشعبة وحفص بخلف عنه بفتح الضاد ، والباقون بضمها وهو الوجه الثاني لحفص والوجهان عنه جيدان. البدور الزاهرة ، ٢٥٠.
(٦) الشيخوخة ، وي : الشيوخة ، ح.