(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣))
(فَأَقِمْ) أي عدل (وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) أي الدين (١) البليغ الاستقامة الذي لا يأتي (٢) فيه عوج ، يعني أثبت عليه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) هو يوم القيامة ، أي لا يرده أحد (مِنَ اللهِ) بعد مجيئه ولا رد له من جهته ، وال «مرد» مصدر بمعنى الرد (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) [٤٣] أي يتصدعون بمعنى يتفرقون ، فريق إلى الجنة وفريق إلى النار.
(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤))
قوله (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وبال كفره إيماء إلى غناه عنهم (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [٤٤] أي يسوون لأنفسهم في الجنة مضاجعهم ، ونسب ذلك إليهم مع أن الملائكة يسوون لهم ذلك لأن أعمالهم الصالحة صارت سببا لذلك كقوله (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)(٣) ، وقدم الظرف في الموضعين ليدل التقديم على أن الضرر والنفع لا يعود إلا على صاحبه.
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥))
قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تعليل ل (يَمْهَدُونَ (مِنْ فَضْلِهِ) أي من طاعته بعد توفيقه الواجب من الثواب و (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) [٤٥] تصريح بعد التضمين ، لأن ما قبله من آية المؤمنين يتضمن أن الكافرين لا يحبهم الله تعالى.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦))
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) أي رياح الرحمة وهي الصبا والجنوب والشمال وأما الدبور فريح العذاب (مُبَشِّراتٍ) تبشر لخلقه بالمطر النافع (وَلِيُذِيقَكُمْ) عطف على معنى (مُبَشِّراتٍ) ، تقديره : يرسل الرياح ليبشركم وليذيقكم (مِنْ رَحْمَتِهِ) وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) أي السفن (بِأَمْرِهِ) بارسال الرياح (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي لتطلبوا من رزقه يريد به تجارة البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [٤٦] أي لتشكروا نعمة الله فيها وتوحدوه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الآيات الواضحات فكذبوهم (فَانْتَقَمْنا) بالعذاب (مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي كذبوا الآيات بذنوبهم (وَكانَ حَقًّا) أي واجبا (عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [٤٧] بانجائهم من العذاب وهو تعظيم للمؤمنين ورفع شأنهم حيث جعلهم الله مستحقين عليه أن ينصرهم ويظفرهم.
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨))
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) أي ترفع غيما (فَيَبْسُطُهُ) متصلا تارة (فِي السَّماءِ) أي نحوها (كَيْفَ يَشاءُ) من قلة وكثرة وبسط (٤) وسمك مسيرة يوم أو أكثر (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أي قطعا متفرقة تارة (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي من وسطه في حال البسط والتفرق (فَإِذا أَصابَ بِهِ) أي بالمطر (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني أصاب به أراضيهم وبلادهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [٤٨] أي يفرحون فجأة.
__________________
(١) الدين ، ح و : ـ ي.
(٢) لا يأتي ، ح ي : يتأتى ، و.
(٣) الإسراء (١٧) ، ٧.
(٤) وبسط ، ح ي : وسبط ، و.