فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠))
(وَما آتَيْتُمْ) بالمد من الإعطاء وبالقصر من المجيء ، أي الذي أعطيتم أو جئتم به (مِنْ رِباً) أي عطية أكلة الربوا (لِيَرْبُوَا) أي ليزداد (فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا) أي لا ينمو ولا يضاعف تلك العطية في أموالهم (عِنْدَ اللهِ) قيل : المراد منه منع الربوا ، لأن الله يمحقه ولا يبارك فيه (١) أو ما أعطيتم للذين يمنون عليكم بهبتهم لكم ليستكثروا بها من ربوا ليربو في أموالهم ، أي ليزيد فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه ، يعني لا يثيب لكم بتلك الزيادة على العوض ، لأنها لغير الله ولا إثم على الآخذ (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أي صدقة (تُرِيدُونَ) أي تقصدون به (وَجْهَ اللهِ) خالصا لا مكافاة ولا رياء ولا سمعة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [٣٩] أي ذوو الأضعاف من الحسنات ، يعني تضاعف حسناتهم فيعطون بالحسنة عشرة أضعافها ، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة تعظيما لهم ، قوله (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) مبتدأ وخبر وهو بيان لصنعه البيع تحريضا على توحيده ، أي الله خلقكم ولم تكونوا شيئا (ثُمَّ رَزَقَكُمْ) أي أطعمكم ما عشتم في الدنيا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بعد الموت للحساب والجزاء ، نزل للإيماء إلى عجز آلهتهم (٢) ، يعني الله هو فاعل هذه الأفعال الخاصة التي لا يقدر على شيء منها أحد غيره (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) وهم الذين اتخذوهم أندادا لله من الأصنام وغيرها (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي لا يفعل أحد شيئا قط من تلك الأفعال حتى يصح ما ذهبتم إليه ثم استبعد ونزه حاله من حال شركائهم حين عجزوا من الجواب بقوله (سُبْحانَهُ وَتَعالى) عن ما (يُشْرِكُونَ) [٤٠] به من المعبودين.
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١))
ثم بين سبب عقوبتهم في الدنيا والآخرة ليرجعوا عن معاصيهم تائبين بقوله (ظَهَرَ الْفَسادُ) كالجدب ونقص المعاش بقلة الربح في التجارات والريع في الزراعات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة المضار وقلة المنافع ومحق البركات من كل شيء ، وقيل : ظهر الشرور والفتن (٣)(فِي الْبَرِّ) أي في البوادي والمفاوز (وَالْبَحْرِ) أي في القرى على الماء ، يعني امتلاء الضلالة والمعاصي فأثرت بها فيهما ، وقيل : «المراد حقيقة البحر» (٤) ، لأنه إذا انقطع المطر عميت دواب البحر وخلت الأصداف على اللؤلؤ ، لأن الصدف إذا جاء المطر صعد على وجه الماء منفتحا فيقع فيه المطر فينطبق عليه فيصير لؤلؤا (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أي بسبب ذنوبهم ومعاصيهم فيهما واللام في (لِيُذِيقَهُمْ) لام «كي» ، أي أفسد الله أسباب دنياهم ومحقها ليذيقهم أي ظهر الشرور والمعاصي بسببهم فاستوجبوا به أن يذيقهم ، قرئ بالياء والنون (٥) ، أي لنذيقهم نحن (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي وبال أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [٤١] عما هم عليه.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢))
قوله (قُلْ سِيرُوا) أي سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) أي آخر أمر من كان قبلهم من الأمم تأكيد لتسبب المعاصي لغضب الله ونكاله حيث أمرهم بالسير في الأرض والنظر إلى حال من أهلكهم الله من الأمم العاتية وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم ودل بقوله (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) [٤٢] على أن الشرك وحده لم يكن (٦) سبب إهلاكهم بل ما دونه كان سببا لذلك أيضا.
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) لعله اختصره من الكشاف ، ٥ / ١١.
(٤) ذكر ابن عباس نحوه ، انظر الكشاف ، ٥ / ١١.
(٥) «ليذيقهم» : قرأ قنبل وروح بالنون ، وغيرهما بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ٢٤٩.
(٦) لم يكن ، ح و : ـ ي.