وأديانا مختلفة وهم اليهود والنصارى ، وقرئ «فارقوا» بالأف (١) بمعنى تركوه (وَكانُوا شِيَعاً) أي طوائف مختلفة كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها ، قيل : افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة والنصارى اثنين وسبعين والمسلمون ثلاثة وسبعين (٢)(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) من الدين (فَرِحُونَ) [٣٢] أي مغرورون يحسبون باطلهم حقا.
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣))
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) أي شدة كمرض وقحط (دَعَوْا رَبَّهُمْ) أي يلجئون إلى الله تعالى (مُنِيبِينَ) أي مقبلين بالدعاء (إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) أي نعمة وخصبا من مطر وصحة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [٣٣].
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥))
ثم هددهم بلام الأمر بقوله (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أي بسبب ما أعطيناهم من النعم ، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب وهو (فَتَمَتَّعُوا) هذا (٣) نظير (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٤)(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [٣٤] ما يفعل بكم من الجزاء ثم (أَمْ أَنْزَلْنا) بالاستفهام وزيادة الميم ، والمراد النفي ، أي لم ننزل (عَلَيْهِمْ) من السماء (سُلْطاناً) أي برهانا أو كتابا (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) مجاز ، لأن البرهان لا يتكلم ولكنه لما جاء دليلا على الإيمان فكأنه متكلم (بِما كانُوا بِهِ) أي بكونهم (يُشْرِكُونَ) [٣٥] بالله.
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦))
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) أي الكفار (رَحْمَةً) أي خصبا وكفاية (فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي قحط وضيق وبلاء (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الأعمال الخبيثة (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [٣٦] بفتح النون وكسرها (٥) ، أي يئسون من رحمة الله تعالى.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨))
ثم أنكر عليهم نصحا لهم بقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسعه ويضيقه ، يعني أنهم قد علموا أن الله هو الباسط للرزق والقابض له فما لهم يقنطون من رحمته ، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين من المعاصي التي عوقبوا بها حتى يعيد إليهم رحمته (إِنَّ فِي ذلِكَ) البسط والتقتير (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٣٧] بالله ولما ذكر أن السيئة تصيبهم بما قدمت أيديهم ، أي بشؤمه عقبه بذكر ما يمدحون بفعله ويذمون بتركه فقال بالفاء (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أي تبره وتصله (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) من الصدقة والإعانة (ذلِكَ) أي صلة القرابة وغيرها (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي يقصدون بمعروفهم ذاته خالصا أو يقصدون به جهة التقرب إليه تعالى لا جهة أخرى (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [٣٨] أي الناجون في الآخرة بدخول الجنة يحتج أبو حنيفة رحمهالله بهذه الآية على وجوب النفقة لذوي الأرحام المحارم عند الاحتياج ، ولا يوجبها الشافعي رحمهالله إلا على الولد والوالدين لوجود الولاد دون سائر القرابات ويقيسهم على ابن العم لأنه لا ولاد بينهم (٦).
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ
__________________
(١) «فرقوا» : قرأ الأخوان بالألف بعد الفاء مع تخفيف الراء وغيرهما بحذف الألف وتشديد الراء. البدور الزاهرة ، ٢٤٩.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ١٢.
(٣) هذا ، ي : هنا ، ح و.
(٤) فصلت (٤١) ، ٤٠.
(٥) «يقنطون» : قرأ البصريان والكسائي وخلف عن نفسه بكسر النون ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٤٩.
(٦) نقله المصنف عن الكشاف ، ٥ / ١٠.