بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩))
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) مِنْ) فيه ابتدائية ، كأنه قال أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم ، و (مِنْ) في قوله (١)(هَلْ لَكُمْ) مما (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) تبعيض ، أي من عبيدكم وإمائكم ، و (مِنْ) في (مِنْ شُرَكاءَ) زائدة لتأكيد الاستفهام الذي يجري مجرى النفي ، أي هل ترضون لأنفسكم والحال أن عبيدكم وإماءكم أمثالكم بشر أن يشارككم بعضكم (فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وغيرها تكونون أنتم وهم فيه على السواء من غير تفصلة بين حر وعبد ويقاسمونكم كما يقاسم الحر شريكه الحر ، وجوابهم أن يقولوا لا فيقول فاذا لم ترضوا (٢) بذلك لأنفسكم فكيف ترضون أن تجعلوا معبوديكم شركائي في الألوهية والعبادة وهم عبيدي (فَأَنْتُمْ) وعبيدكم (فِيهِ) أي في المال الذي بأيديكم (سَواءٌ) أي متساوون وهو جواب الاستفهام ، أي هل لكم مال فتستوي أنتم وعبيدكم فيه ، وقوله (تَخافُونَهُمْ) حال من فاعل (سَواءٌ) داخلة تحت الاستفهام الإنكاري ، تقديره : أفأنتم تساووا خائفين من مواليكم خيفة (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي بعضكم بعضا من الأحرار الأقارب والأباعد (كَذلِكَ) أي مثل هذا التفصيل (٣)(نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي آيات الأمثال نبينها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [٢٨] لأن التمثيل بمنزلة التصوير بكشف المعاني لأهلها وهم العقلاء ، فلما لم يمتنعوا من كفرهم وكذبهم أضرب عنهم فقال (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا (أَهْواءَهُمْ) بعبادة الأوثان (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي جاهلين (فَمَنْ يَهْدِي) أي فمن يقدر أن يرشد (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي أضله وخذله ولم يلطف به بالتوفيق (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [٢٩] أي مانعين (٤) من العذاب ، وهو دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠))
(فَأَقِمْ) أي عدل وقوم يا محمد من غير التفات يمينا وشمالا (وَجْهَكَ لِلدِّينِ) يعني أقبل على الدين واستقم بالعمل بأمره ونهيه (حَنِيفاً) أي مخلصا ، حال من الضمير في «أقم» ، قوله (فِطْرَتَ اللهِ) نصب بمحذوف ، أي اتبع يا محمد أو الزموا فطرة الله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) والفطرة الخلقة وهي القابلية للتوحيد ودين الإسلام من غير إباء عنه وإنكار له أو المراد العهد المأخوذ عليهم بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(٥) ، فعلى هذا كل مولود يولد ابتداء على التوحيد ، لو لم يعرض له ما يصده عنه لدام عليه لوجود حسن التوحيد وصحته عقلا ، يدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» (٦)(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير (ذلِكَ) أي التوحيد الذي خلق الناس عليه هو (الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٣٠] ذلك.
(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
قوله (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي منصرفين إلى الله من غيره بالتوحيد والطاعة حال من ضمير «الزموا» الناصبة لفطرة أو من فاعل (فَأَقِمْ) ، لأنه جمع في المعنى لأنه خطاب للرسول عليهالسلام والمراد أمته ، وإنما أفرد ثم جمع لما في الإفراد من التعظيم للإمام ، وفي الجمع من البيان والتلخيص (وَاتَّقُوهُ) بامتثال أمره ونهيه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي في مواقيتها (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [٣١] أي على دينهم ، وهذه الأوامر بيان للإنابة إليه ، وعطف على «الزموا» المقدر قوله (مِنَ الَّذِينَ) بدل من (الْمُشْرِكِينَ) ، أي لا تكونوا من الذين (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بالتشديد ، أي جعلوه فرقا
__________________
(١) قوله ، ح : ـ وي.
(٢) فاذا لم ترضوا ، ح و : فاذا لم يرضوا ، ي.
(٣) التفصيل ، وي : التفضيل ، ح.
(٤) مانعين ، ح و : مانعون ، ي.
(٥) الأعراف (٧) ، ١٧٢.
(٦) رواه البخاري ، الجنائز ، ٨٠ ؛ ٩٣ ؛ والترمذي ، القدر ، ٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١١ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٩٧.