(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣))
(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي فيهما (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه فيهما أو المعنى : أنه جعل الليل للسكنى والنهار لطلب المعاش ، والأول أظهر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [٢٣] سماع تدبر.
(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤))
(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) مبتدأ وخبر بتقدير «أن» المصدرية من باب تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، وإنما حذف «أن» ليدل الفعل على الحال ظاهرا (خَوْفاً) من الصاعقة (وَطَمَعاً) في الغيث وانتصبا مفعولا لهما ، أي لإرادة خوف وإرادة طمع أو حالان (١) ، أي خائفين وطامعين (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) أي بعد يبسها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [٢٤] أي يفهمون عن الله فيوحدونه.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥))
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) فوقكم وتحتكم لا يزيلهما شيء وأراد بقيامهما دوام قيامهما إلى أجلهما بلا عمد (بِأَمْرِهِ) أي بقوله كونا قائمتين (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً) أي بعد قيام السماء والأرض للبعث (مِنَ الْأَرْضِ) أي من قبوركم ، يعني إذا دعاكم إسرافيل على صخرة بيت المقدس دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [٢٥] بسرعة من غير توقف ، قرئ معلوما ومجهولا (٢) ، والجملة جواب الشرط ، و «إذ» نائبة عن الفاء و (مِنَ الْأَرْضِ) صفة (دَعْوَةً) ومتعلق ب (دَعاكُمْ) ، وعطف (إِذا دَعاكُمْ) على قيام السماء والأرض ب «ثم» على تأويل ومن آياته قيامهما ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم بقوله «أخرجوا» فيخرجون بلا توقف بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله بلا إباء كقوله (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)(٣).
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦))
(وَلَهُ) أي لله (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق ، يعني هو موجدهما وربهم (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [٢٦] أي مطيعون ومنقادون لوجود أفعاله تعالى فيهم لا يمتنعون عليه.
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧))
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي خلق آدم ومنه خلقهم ولم يكونوا شيئا ثم يعيد الخلق أحياء من قبورهم يوم القيامة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي البث أسهل على الله فيما تقتضيه عقولكم ، لأن من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وإن كان في نفسه عظيما أو هو أهون على الخلق لأن قيامهما بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى تكميل خلقهم (وَلَهُ الْمَثَلُ) أي الوصف (الْأَعْلى) الذي ليس لغيره مثله (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو أنه منزه عن صفات المحدثين أو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٢٧] أي هو القاهر لكل مقدور والجاري فعله على قضية حكمته وعلمه ، وقيل : (الْمَثَلُ الْأَعْلى) هو الوصف بالوحدانية يدل عليه قوله بعده في وصف التشريك (٤).
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ
__________________
(١) حالان ، ح : حال ، وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٧.
(٢) هذه القراءة مأخوذة عن السمرقندي ، ٣ / ٨.
(٣) الزمر (٣٩) ، ٦٨.
(٤) أخذه المصنف عن الكشاف مختصرا ، ٥ / ٨.