أن الخمس فرضت (١) بمكة أو بالمدينة ، القول الأكثر أنها فرضت بمكة ، وعن عائشة رضي الله عنها : «فرضت الصلوة ركعتين فلما قدم رسول الله عليهالسلام بالمدينة أقرت صلوة السفر وزيدت في الحضر» (٢) ، وقيل : المراد من التسبيح في هذه الأوقات ظاهره الذي هو تنزيه الله عن السوء والثناء عليه بالخير لما يتجدد من نعمة الله الظاهرة (٣) ، قيل لابن عباس رضي الله عنه : هل تجد الصلوت الخمس في القرآن؟ قال : نعم وقرأ هاتين الآيتين (٤).
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩))
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي الطائر من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أي البيضة من الطائر (وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالمطر وإخراج النبات (بَعْدَ مَوْتِها) أي بعد يبسها (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الإخراج (تُخْرَجُونَ) [١٩] من القبور وتبعثون فآذن بذلك أن الإبداء والإعادة في قدرته سواء ، وعن النبي عليهالسلام : «من قال حين يصبح فسبحان الله إلى قوله (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أدرك ما فاته من يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته» (٥).
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠))
(وَمِنْ آياتِهِ) أي من دلائله الدالة على القدرة والوحدانية (أَنْ خَلَقَكُمْ) أي خلق أصلكم وهو آدم (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [٢٠](إِذا) للمفاجأة ، أي فأجاء تم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١))
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من شكل أنفسكم وجنسها (أَزْواجاً) لا من جنس آخر للألف والسكون لما بين الجنسين المختلفين من التنافر أو من حواء من أنفسكم ، لأنها خلقت من ضلع آدم (٦) ، والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) أي لتميلوا وتأووا إلى أزواجكم (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً) أي محبة (وَرَحْمَةً) أي تراحما بعصمة الازدواج من غير قرابة بعد أن لم يكن بينكم سابقة معرفة ولا لقاء ، وقيل : ال «مودة» كناية على الجماع ، وال «رحمة» عن الولد (٧) ، فبرحمة الله تتعاطفون ويرزق بعض بعضا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [٢١] في صنعه فيستدلون به على قدرته وعظمته فيؤمنون به ويعبدونه.
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢))
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وأنتم تعلمون ذلك وتقرون به (٨)(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) المراد من الألسنة اللغات أو أشكالها من الفصاحة واللكنة وملاذ النغمات (وَأَلْوانِكُمْ) أي ألوان صوركم من أبيض وأسود وغيرهما وهم من أب واحد وأم واحدة (٩) ، ولاختلاف ذلك وقع التعارف والتمايز وإلا فلو اتفقت الأشكال وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [٢٢] بكسر اللام جمع عالم وهو ذو العلم ، وخص العلماء لأنلهم أهل الاستدلال دون الجهلاء وبفتح اللام (١٠) جمع عالم وهو الخلق ، والمعنى : أن الآيات ظاهرة ظهورا يمكن أن يستدل بها جميع الخلائق فتكون (١١) حجة على كل مخلوق.
__________________
(١) فرضت ، و : فرض ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥.
(٢) انظر الكشاف ، ٥ / ٥.
(٣) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٥.
(٤) انظر البغوي ، ٤ / ٣٩٢.
(٥) أخرج أبو داود نحوه ، الأدب ، ١١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥.
(٦) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٥.
(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٦.
(٨) وتقرون به ، وي : ويقرؤن به ، ح.
(٩) وأم واحدة ، ح : ـ وي.
(١٠) «للعالمين» : قرأ حفص بكسر اللام وغيره بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٤٨.
(١١) فتكون ، و : فيكون ، ح ي.