رياء وسمعة ورميا بالحجارة والنبال ليقيموا عذرهم.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١))
ثم قال تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) أيها المنافقون (فِي رَسُولِ اللهِ) أي في نفسه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) بضم الألف وكسرها (١) ، أي قدوة من حقها أن يؤتسى بها ويقتدى وهي المواساة لأنه واساكم في القتال بنفسه حتى كسرت رباعيته وجرح وجهه فلم لا تقتدون به وبفعله ولا تصبرون معه ، قوله (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) بدل من «لكم» ، أي يرجو فضل الله أو يخاف حسابه (وَ) يرجو (الْيَوْمَ الْآخِرَ) الذي هو يوم الله ورحمته (وَذَكَرَ اللهَ) ذكرا (كَثِيراً) [٢١] في جميع أوقاته وأحواله باللسان والقلب.
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢))
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) واجتماعهم عليهم ، ثم رأوا تزلزلهم واضطرابهم وخوفهم الشديد ورحيلهم منهزمين (قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) في سورة البقرة (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) من النصر ودخول الجنة لقوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) إلى قوله (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(٢) ، فأيقنوا بالجنة والنصر (وَما زادَهُمْ) الخوف عن مجيء الأحزاب (إِلَّا إِيماناً) بالله وبمواعيده (وَتَسْلِيماً) [٢٢] لقضائه وقدرته.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣))
قوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا) الآية نزل في رجال من الصحابة نذروا وعاهدوا الله ليقاتلن ولينصرن دينه إذا لقوا حزبا وهم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتي يستشهدوا ، وهم عثمان وطلحة وسعيد وأنس وحمزة ومصعب (٣) ، فوفوا (ما عاهَدُوا اللهَ) أي فيما عاهدوا (عَلَيْهِ) يقال صدقك فلان إذا وفى بما عاهد عليك وكذبك فلان إذا نكث عهده (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي مات كحمزة ومصعب وأنس (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت كعثمان وطلحة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة» (٤) ، والنحب النذر في الأصل ثم استعملوا للموت ، لأن كل حي لا بد له منه فكأنه نذر لازم في رقبته فاذا مات فكأنه وفى نذره ، وقيل : قضى نحبه يحتمل موته شهيدا ويحتمل وفاءه بنذره الثبات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٥)(وَما بَدَّلُوا) أي ما أظهروا تغييرا لعهدهم لا المستشهد ولا المنتظر للشهادة ، وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق والشك (تَبْدِيلاً) [٢٣] أي تغييرا ما.
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤))
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) لام كي يتعلق بقوله (وَما بَدَّلُوا (بِصِدْقِهِمْ) أي بجزاء وفائهم بالعهد (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) أي ليعذبهم (إِنْ شاءَ) إذا لم يتوبوا (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إذا تابوا فيهديهم إلى الإيمان (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [٢٤] لمن تاب عن الكفر والنفاق وأطاعه ورسوله.
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا
__________________
(١) «أسوة» : ضم عاصم الهمزة وكسرها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٥٥.
(٢) انظر البقرة (٢) ، ٢١٤.
(٣) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٣٩.
(٤) انظر الكشاف ، ٥ / ٣٩. ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها. وروى البخاري في صحيحه في باب الزكوة (١): «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».
(٥) قد أخذ المؤلف هذا المعنى عن الكشاف ، ٥ / ٣٩.