عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦))
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي الأحزاب يوم الخندق (بِغَيْظِهِمْ) أي ملتبسين بالغيظ (لَمْ يَنالُوا) أي لم يصيبوا (خَيْراً) من الظفر والغنيمة ، يعني رجعوا خائبين غير ظافرين بمطلوبهم من المسلمين ، وهما حالان بتداخل وتعاقب أو الثانية بيان للأول (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بالريح الشديدة والملائكة (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) بقهر أعدائه (عَزِيزاً) [٢٥] بنصر أوليائه وبعد زهاب الأحزاب إلى بلادهم ، رجع النبي عليهالسلام إلى المدينة بالمسلمين وشرع يغسل رأسه فجاءه جبرائيل عليهالسلام صبيحة الليل التي انهزم فيها الأحزاب على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج ، وقال يا رسول الله إن الملائكة لم تصنع السلاح منذ أربعين ليلة وأنتم وضعتم أسلحتكم أن الله يأمركم بالسير إلى بني قريظة ، وإني مزلزل حصونهم وإن الله جعلهم لكم طعمة فأذن في الناس أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة ، فما صلى كثير من الناس العصر إلا بعد العشاء الأخيرة لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك ، وبعضهم صلوا العصر قبل ذلك مخافة خروج الوقت ورضي النبي عليهالسلام بما فعل الفريقان ، واللواء يومئذ في يد علي رضي الله عنه ، فجاء به وغرزه عند حصي بني قريظة فحاصرهم النبي عليهالسلام خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا إخوة القردة والخنازير أنزلوا على حكم الله وحكم رسوله» ، فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به ، فقال سعد لهم : «أنزلوا من حصنكم» ، فلما نزلوا قال حكمت فيهم أن يقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فكبر النبي عليهالسلام وقال : «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» ، ثم استنزلهم خندق وضربت أعناقهم فيه وكانوا سبعمائة فنزل فيهم قوله تعالى (١)(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي عاونوا الأحزاب (مِنْ صَياصِيهِمْ) أي من حصونهم ، والصيصية كل ما يتحصن به الحيوان من المخلب للديك والقرن للثور أو جبل أو مفازة (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أي رمي في قلوب بني قريظة الخوف (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) منهم وهم الرجال وكانوا أربعمائة وخمسين (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [٢٦] منهم وهم النساء والذراري وكانوا ستمائة وخمسين.
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧))
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) أي جعل مزارعهم ومنازلهم للمهاجرين دون الأنصار (وَ) قسم (أَمْوالَهُمْ) من العروض والحيوانات (وَ) أورثكم سواها (أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) قيل : إنها خيبر (٢) أو مكة (٣) ، وقيل : فارس والروم (٤) ، وقيل : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة (٥)(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) [٢٧] من قهر الأعداء وفتح بلادهم وغير ذلك.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨))
قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية نزل حين أوذي عليهالسلام من نسائه بميلهن إلى الدنيا وطلب زيادة النفقة ولبس الثياب (٦) ، وكانت تسعا فصعد إلى غزوة له فمكث فيها ولم يخرج إلى أصحابه ، أي قل لهن (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ) أي جئن إلى ما أعرض عليكن (أُمَتِّعْكُنَّ) بشيء من الدنيا (وَأُسَرِّحْكُنَ
__________________
(١) هذا منقول عن الكشاف ، ٥ / ٤٠.
(٢) عن ابن زيد ومقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٠.
(٣) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٠.
(٤) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٠.
(٥) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٠.
(٦) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٣ / ٤٨ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٥٩ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٠ ـ ٤١.