سَراحاً جَمِيلاً) [٢٨] أي أطلقكن باحسان من غير قصد سوء بكن ، يعني لا أراجعكن حتى تبن بالعدة ، قيل : المتعة واحبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد عند أبي حنيفة ، ولسائر المطلقات مستحبة وتجب لكل مطلقة إلا لمطلقة قبل الدخول ، وقد سمي لها مهرا فان الواجب لها نصف المهر عند الشافعي (١).
(وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩))
(وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي رضاهما (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أي الجنة (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ) أي للمطيعات أمرهما (مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [٢٩] أي ثوابا جزيلا في الجنة ، فأخبر بذلك عائشة رضي الله عنها وكانت أحبهن وخيرها ، وقرأ القرآن عليها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ففرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك ، ثم اختارت جميعهن كذلك فشكر لهن الله فأنزل (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ)(٢) الآية (٣) ، قيل : حكم التخيير في الطلاق أن الزوج إذا قال لها اختاري فقالت أخترت نفسي وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة إذا كان ذلك في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض وطلقة رجعية عند الشافعي واعتبر اختيارها على الفور (٤).
(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))
ثم قال تعالى تهديدا لهن (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) بفتح الياء وكسرها (٥) ، أي بمعصية ظاهرة من نشوز أو غيره مما يضيق به ذرعه ويغتم لأجله (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) وقرئ «يضعف» بالياء مجهولا بالتشديد وبالنون معلوما به ، ونصب (الْعَذابُ)(٦) ، أي نحن نضعفه لها مثلي عذاب غيرها وإنما ضوعف عذابهن ، لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن ، لأنهن نساء النبي عليهالسلام ، والذنب يعظم بعظم جانيه وعمله ولذلك ذم العالم العاصي أشد من ذم الجاهل العاصي (وَكانَ ذلِكَ) أي عذابها (عَلَى اللهِ يَسِيراً) [٣٠] أي هينا ، وفيه إيذان بأن كونهن نساء النبي عليهالسلام ليس بمغن عنهن شيئا بل هو سبب مضاعفة العذاب.
(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١))
(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي من يطع لأمر الله (٧) ورسوله (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها) أي نعطها (أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) أي مثلي أجر غيرها لطلبها (٨) رضاه بحسن الخلق وطلب المعاشرة والقناعة والتقوى ، قال مقاتل رضي الله عنه : «نعطها بالحسنة عشرين» (٩)(وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) [٣١] أي حسنا هو الجنة.
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢))
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ) وهو يعم الذكر والأنثى والواحد والجماعة بخلاف الواحد فانه للمفرد المذكر ، أي ليس قدركن عندي كقدر غيركن في الفضل والسابقة (مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) أي إن تردن أن تكن متقيات من المعاصي ومطيعات لله ورسوله (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي لا تقلن قولا لينا خنثا مثل كلام النساء الموقعات
__________________
(١) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٥ / ٤١.
(٢) الأحزاب (٣٣) ، ٥٢.
(٣) اختصره المصنف من البغوي ، ٤ / ٤٥٩.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٤٦١.
(٥) «مبينة» : فتح الياء المكي وشعبة ، وكسرها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٢٥٥.
(٦) «يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ» : قرأ ابن كثير وابن عامر بنون مضمومة وحذف الألف بعد الضاد مع كسر العين وتشديدها ونصب باء «العذاب» ، وقرأ أبو جعفر والبصريان بياء تحتية مضمومة وحذف الألف بعد الضاد مع فتح العين وتشديدها ورفع باء «العذاب» ، والباقون بياء تحتية مضمومة وإثبات الألف بعد الضاد مع فتح العين وتخفيفها ورفع باء «العذاب» ، واتفقوا على جزم فاء «يضاعف». البدور الزاهرة ، ٢٥٥.
(٧) لأمر الله ، وي : أمر الله ، ح.
(٨) لطلبها ، وي : لطلبهن ، ح.
(٩) انظر البغوي ، ٤ / ٤٦٢.